أقول: الأمر بملازمة البيوت والنهي عن الخروج منها ليس شاملا لجميع الأحوال والأزمنة. يدل على ذلك خروج بعضهن معه ﷺ في بعض الأسفار. فكان عاما مخصوص البعض ظني الدلالة. وللمجتهد أن يخرج بعض الباقي بعد التخصيص لعلة مشتركة يستنبطها. وكانت عائشة ﵂ مجتهدة. أخرج الترمذي عن أبي موسى أنه قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله ﷺ حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها علما. فيمكن أن يكون خروجها في بعض الحالات والأزمنة لمنافع ومصالح تراها مخصصا عندها من هذا العموم فلا محذور. على أن الظاهر من سياق قوله تعالى: ﴿ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى﴾ (١) أن المراد إنما هو النهي عن الخروج بلا ستر ولا حجاب. ثم أن خروجها إلى البصرة كان للإصلاح لا للحرب كما حققه بعض المحققين. ولو كان للحرب كما اشتهر فلا بأس أيضا لأنه عن اجتهاد لا عن هوى. ذكر شارح المواقف عن الآمدي أن واقعات الجمل والصفين كانت عن اجتهاد والمجتهد وإن كان مخطئا لا يكون مؤاخذا. وقال البيضاوي في قوله تعالى: ﴿لولا كتابٌ من الله سبق﴾ (٢) لولا حكم من الله سبق في اللوح وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده، بل نقول حكم خطإ المجتهدين كحكم الاهتداء والإصابة. روى رزين عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "سألت ربي عن اختلاف أصحابي من بعدي فأوحى الله إلى يا محمد إن أصحابك عندي بمترلة النجوم في السماء بعضها أقوى من بعض ولكل نور فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندي على هدى" ثم قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"
أما حديث: "حربك حربي" فيمكن أنه لم يكن وصل إلى عائشة أو يكون مخصوصا ببعض الحرب إذ يمكن أن يكون الإضافة للعهد.
ثم ذكرت الشيعة ترويجا لكتبهم الباطلة وتزييفا لكتب أهل السنة أنه روي في كتب الشيعة أن ابن أم مكتوم كان جالسا عند النبي ﷺ فمرت عليهما امرأة من أزواج النبي ﷺ فكأنه أنكر عليها فقالت: هو أعمى، قال رسول الله ﷺ: "لست أنت عمياء". وروي في كتب أهل السنة أن رسول الله ﷺ حمل عائشة على كتفه فأراها قوما يضربون المعازف ثم قال: "يا حميراء هل شبعت". فهذا الشيء لا يمكن أن ينسب إلى أرذل الناس فكيف إلى سيد المرسلين ﷺ.
أقول: أخرج البخاري ومسلم أن عائشة ﵂ قالت: والله لقد رأيت النبي ﷺ يسترني، إلى أن قالت: فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة عل اللهو. فهذا يدل على أنها كانت صغيرة يومئذ غير مكلفة وأن اللهو كان لهوا مشروعا لا ممنوعا إذ اللعب بالحراب بمترلة الرمي في الإعداد للجهاد. ألا ترى أنه كان في المسجد. فظهر أن قولهم حمل عائشة وقولهم يضربون المعازف من تحريفاتهم قبحهم الله.
_________
(١) الأحزاب: ٣٣
(٢) الانفال: ٦٨
1 / 17