وأجابت الشيعة بمنع دلالة الآية على تشريفهم بالرضوان لأن مدلولها عند التدقيق رضاء الله تعالى بذلك الفعل الخاص أي البيعة وليس أحد ينكر أنه قد صدر منهم بعض الأفعال المرضية إنما الكلام أنهم صدر منهم بعد ذلك أفعال تكون نقضا لذلك العهد ونكثا لتلك البيعة حيث خالفوا نص النبي ﷺ في الخلافة وغصبوها من مستحقها وآذوا فاطمة ﵂. وقد أخرج البخاري عنه ﵊ أنه قال: «من آذاها فقد آذاني» وقال الله تعالى: ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة﴾ (١) وتخلفوا عن جيش أسامة. فلأمثال هذه الأفعال استحقو الطعن، إذ سلامة العافية بحسن الخاتمة والوفاء بالعهد والبيعة.
أقول: مدلول الآية عند التحقيق أن رضاء الله تعالى تعلقت بالمؤمنين عند بيعتهم النبي ﷺ لا أنها تعلقت بالبيعة. غاية ما في الباب أن التدقيق يقضي إلى علية بيعتهم لرضاء الله تعالى عنهم. نعم كون البيعة مرضية إنما يفهم من كونها علة للرضاء وكون هؤلاء مرضيين لأجلها، فتكون مرضية بالطريق الأولى. أما أن البيعة هي المرضي عنها أصالة مع عدم كون أهلها مرضيين كما زعموا فمما لا يفهم أصلا. ولما التبس عليهم الحق سموا خطأهم تدقيقا. فإذا تمهد هذا فنقول: لما ﵃ وقد علم سرائرهم وبواطنهم وأنزل السكينة والطمأنينة عليهم على ما دل قوله تعالى: ﴿فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم﴾ (٢) وبشرهم النبي ﷺ بالجنة، فلا بد أنهم مصونون عن سوء الخاتمة ونقض العهد ونكث البيعة. ولئن سلمنا أن مدلولها رضاء الله بذلك الفعل الخاص فلنا أن نقول لما رضي الله تعالى عن بيعتهم لزم منه أن يكونوا مرضيين وأن تكون عاقبتهم محمودة لأن الله تعالى لا يرضى عن أفعال الكفار قال تعالى: ﴿والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء﴾ (٣) وقال: ﴿ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة﴾ (٤) فالعمل الذي يكون مضمحلا في الآخرة ولا تترتب عليه ثمرة لا معنى لرضاء الله به، إذ الرضاء نهاية القبول والقبول إنما هو باعتبار المآل وإنما العبرة بالخواتيم.
ثم ورود النص من النبي ﷺ بأن الخليفة بعده علي ﵁ غير ثابت، بل قام الدليل على نفيه لأنه لو ورد لنقل بالتواتر لأنه مما يتوفر الدواعي إلى نقله كقتل الخطيب على المنبر. وأيضا لو كان نص في هذا الباب لاحتج به علي ولمنع به أبا بكر من الخلافة كما منع أبو بكر الأنصار بقوله ﷺ: «الأئمة من قريش» فأذعنوا له ولم يناقشوه.
_________
(١) الأحزاب: ٥٧
(٢) الفتح: ١٨
(٣) النور: ٣٩
(٤) البقرة: ٢١٧
1 / 10