والصنع فقد (1) يرى بالعيان في ذلك كله قائما موجودا ، فكفى بذلك دليلا بينا على أن لهذا الصنع العجيب صانعا لا والدا ولا مولودا.
ووجود (2) صانعه أبين وأوجد من وجود كل موجود وجودا ، وأنه واحد صمد ليس والدا ولا مولودا ، ولن يجد ذلك أحد أبدا ، إلا الله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يزل تبارك وتعالى واحدا صمدا ، ليس من ورائه أزلي مصمود ، ولا أولي من الأشياء موجود ، فيكون متقدما أولا قبله ، فلا يكون الله هو الخالق له ، بل هو الله الخالق الأول القديم ، الذي ليس لغيره (3) عليه أولية ولا تقديم ، ولكن كل ما سواه ، فخلق ابتدعه وأبداه ، فوجد بالله خلقا بديا بعد عدمه ، بريا من مشاركة الله في قدرته وقدمه ، بينة آثار الصنع والتدبير فيه ، شاهدة أقطاره بالحدث والصنع عليه ، مختلف مؤلف ، ضعيف مصرف ، مجسم محدود ، متوهم معدود ، قد ناهاه قطره وحده ، وأحصاه مقداره وعده ، فهو كثير أشتات ، له نعوت وصفات ، كثيرة متفاوتات ، كذلك الحيوان منه والموات.
فليس يوجد أبدا الواحد الأزلي ، الذي ليس له مثل ولا نظير ولا كفي ، (4) إلا الله تقدست أسماؤه ، وجل ذكره وثناؤه ، وفي ذلك وبيانه ، ومن حججه وبرهانه ، ما يقول الله جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله ، فيما نزل من كتابه المجيد ، في سورة الإخلاص والتوحيد : ( قل هو الله أحد ) (1) [الإخلاص : 1]. والأحد فمن ليس له والد ولا ولد ، ( الله الصمد ) (2) [الإخلاص : 2] والصمد فهو الغاية في كل خير والمعتمد ، الذي ليس من ورائه ، من يسمى بأسمائه ، فيستحق منها كما استحق الله شيا ، فيكون لله فيما يسمى به منها كفيا ، كما قال الله سبحانه في كتابه ، وما نزل من
مخ ۳۹۶