قلنا: إن إبراهيم صلوات الله عليه، وإن كان خليلا، فلم يكن خليله بخلة كانت بينه وبين الله تعالى، لأن الخلة والإخاء والصداقة والتصافي والخلطة وأشباه ذلك منفية عن الله تعالى عز ذكره، فيما بينه وبين عباده، على أن الإخاء والصداقة داخلتان في الخلة، والخلة أعم الاسمين، وأخص الحالين. ويجوز أن يكون إبراهيم خليلا بالخلة التي أدخلها الله على نفسه وماله، وبين أن يكون خليلا بالخلة وأن يكون خليلا بخلة بينه وبين ربه فرق ظاهر، وبون واضح. وذلك أن إبراهيم عليه السلام اختل في الله تعالى اختلالا لم يختلله أحد قبله. لقذفهم إياه في النار، وذبحه ابنه، وحمله على ماله في الضيافة والمواساة والأثرة، وبعداوة قومه، والبراءة من أبويه في حياتهما، وبعد موتهما، وترك وطنه، والهجرة إلى غير داره ومسقط رأسه. فصار لهذه الشدائد مختلا في الله، وخليلا في الله. والخليل والمختل سواء في كلام العرب. والدليل على أن يكون الخليل من الخلة كما يكون من الخلة قول زهير بن أبي سلمى، وهو يمدح هرما:
وإن أتاه خليل يوم مسبغة
يقول لا عاجز مالي ولا حرم
وقال آخر:
وإني إلى أن تسعفاني بحاجة
إلى آل ليلى مرة لخليل
وهو لا يمدحه بأن خليله وصديقه يكون فقيرا سائلا، يأتي يوم المسألة ويبسط يده للصدقة والعطية، وإنما الخليل في هذا الموضع من الخلة والاختلال، لا من الخلة والخلال.
وكأن إبراهيم عليه السلام حين صار في الله مختلا أضافه الله إلى نفسه، وأبانه بذلك عن سائر أوليائه، فسماه خليل الله من بين الأنبياء، كما سمى الكعبة: بيت الله من بين جميع البيوت، وأهل مكة: أهل الله من بين جميع البلدان. وسمى ناقة صالح عليه السلام: ناقة الله من بين جميع النوق. وهكذا كل شيء عظمه الله تعالى، من خير وشر، وثواب وعقاب. كما قالوا: دعه في لعنة الله، وفي نار الله وفي حرقه. وكما قال للقرآن: كتاب الله، وللمحرم: شهر الله. وعلى هذا المثال قيل لحمزة رحمة الله ورضوانه عز ذكره عليه: أسد الله، ولخالد رحمة الله عليه: سيف الله تعالى.
وفي قياسنا هذا لا يجوز: أن الله خليل إبراهيم، كما يقال: إن إبراهيم خليل الله.
مخ ۳۴۰