فقال رياض منفسا عن صدره: وراء بنت من حريم الذئاب!
فقالت بحدة بصوتها الجامع بين الأنوثة والذكورة: مثله لا يجري وراء خنفساء! - المؤكد أن الذئاب هجموا عليه فضربوه ثم جردوه من كل شيء.
ولما رجع إلى الظهور في الحارة تبدى في صورة أخرى. رفل حافيا في جلباب قديم أهداه إليه مخلوف زينهم. لم يبق من آثار الحادث إلا ضمادة التفت حول رأسه كالعمامة، وبدلا من أن يذهب إلى حال سبيله، هام على وجهه في الحارة مثل كلب ضال، بنظرة خائفة مستطلعة تعكس من الداخل خواء وحيرة ولا تعرف لنفسها هدفا. ووقف أخيرا في مجال الرائحة الحريفة الدسمة البدائية المنتشرة من الطعمية في ابتهال ذليل. حامت حوله أعين كثيرة لرجال ونساء، سرعان ما هجرته في لا مبالاة، إلا عينين سوداوين ثبتتا عليه في إصرار وتماد. ولمست عذابه، فأمرت حلومة الجحش بأن يهدي إليه رغيفا وطعمية على حسابها. ورغم إشرافها على شحن ثلاث عربات بالخردة، ومراقبة عبدون فرج الله والمشترين، فقد تابعت التهامه للطعام بسرور وحشي، يكاد الشعر النابت في عارضيه ولغده أن يلتهم وسامة وجهه كما يلتهم هو الطعام. ترى لم لم يذهب إلى حال سبيله؟ وماذا يبقيه في هذه الحال الزرية البائسة؟ وبدافع من شعور فطري بالامتنان، تربع على الأرض غير بعيد من موقفها مسندا ظهره إلى جدار الوكالة الذي لاح له كمخزن لنفايات الحديد، وسألته باهتمام: اسمك يا جدع؟
فرفع إليها عينيه العسليتين في حيرة واضحة، ولم ينبس. فتساءلت كالمحتجة: أهو سر لا يذاع؟!
فتحولت الحيرة إلى صورة ناطقة للعجز، فقال لها رياض الدبش الكواء: الصبر، ألا ترين أنه لم يشف بعد مما به؟ - لحد نسيان اسمه؟ - ما زال غير موجود.
فرجعت إلى الشاب قائلة: اسمك؟ ... تذكر وأجب، من أنت؟ من أين جئت؟
فانقلب العجز عذابا، وتوجس خيفة. فقالت بحدة: قل أي شيء.
فغمغم مقهورا: لا أدري.
فرددت عينيها بين رياض وحلومة، قائلة: إنه يهزأ بنا.
فقال عبدون فرج الله وهو لا يكف عن العمل: دعيني أطرده بعيدا!
ناپیژندل شوی مخ