من بلدة مكة بعدما عانى من قومه ما عانى، واحتمل من أذاهم وعنتهم ما احتمل، وكذلك أنجاه الله - تعالى - من القتل الذي بيتوا، لم تخالجهم فيه رحمة ولم تحشمهم منه رحمة!
نحن الآن في يثرب وقد مضى على تلك الهجرة المهولة ثمان سنين، ثمان سنين لا أكثر، فليت شعري ماذا نرى وماذا نسمع؟
نرى شيئا لا يكاد يتسع له البصر، ونسمع جلجلة لا تكاد تحتمل موقعها طبلة الأذن ...
هذه صلصلة السيوف وهذه قعقعة اللأم
5
والدروع، وهذا صهيل الخيل، وهذا هدير الإبل، وهذا لجب يحكي جرجرة الآذي
6
في اليوم العاصف، وهذه الرايات المرفوعة، وهذي كتائب الجند تتلوها الكتائب من رجال وفرسان كأنهم لم يخلقوا إلا للقراع والطعان، وعلى كل كتيبة علم من أعلام القادة؛ وكمي من الكماة الزادة والغطاريف السادة، وهذا محمد صاحب تلك الهجرة على جيش كثيف من المهاجرين والأنصار:
يمشون في زعف كأن متونها
في كل معركة متون نهاء
ناپیژندل شوی مخ