فظن هو أنه قد بدا لعمه فيه بداء، أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه، فقال: يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته.
1
نعم. لقد طالما آذوه بعد ذلك وأسرفوا في الأذى، وكادوه وأمعنوا في الكيد له، وأذكوا عليه من يسبه، وتارة من يؤذيه في بدنه، ومن يلون للمستضعفين من صحبه العذاب تلوينا، فما زاده كل ذلك إلا إمعانا في الدعوة وإيغالا في التحدي، وشدة الدأب على ما وجه إليهم، وتقريعهم على انصرافهم عنه ونفورهم منه، وعدم أخذهم به وصدهم عن سبيله.
لقد أعجزهم أمره حقا، ولم يغن شيء من ذلك كله في كف دعوته والحد من سعيه، فكيف الحيلة فيه وكيف السبيل إليه؟
إذن لم يبق بد من قتله والخلاص منه، على أن قتله ليس بالأمر اليسير، فللرجل وإن قام بدعوته فردا أهل وعشيرة، وهؤلاء الأهل والعشيرة هم في الجبهة من الأمة لجلالة موضعهم، وشرف أحسابهم وضخامة ماضيهم إلى ما لهم من عز ومنعة، وما فيهم من بأس وقوة، وإذا كانت كثرتهم الكثيرة لم تستجب لدعوته ولم تصغ لدينه، فإن لهم حفاظا، وفيهم عصبية تتعالى بهم عن أن يقتل رجل منهم، مهما يكن سبب قتله ويكن بأس قاتله وهم قيام ينظرون، فهم ولا ريب آخذون بثأره لا يقتل قاتله وحده، بل كل من يقع بين أيديهم من أهله ومعشره الأقربين والأبعدين، وقد يتعصب لهذا القبيل قوم، ويتعصب لهذا القبيل قوم فتكون الفتنة لا يخمد لها ضرام، أو تأتي على اليابسة والخضراء!
فلتشترك جميع عشائر الشعب إذن في قتله واحتمال وتره، فلا يقوى معشره مهما يكن لهم من العزة والبأس على أن يقاتلوا الشعب كله، وكذلك أخرج كل قبيل لقتل البطل فتى من أقوى فتيانه وأشدهم بأسا، وتواعدوا باب داره إذا كان السحر.
ويجيئه الخبر بما ائتمر القوم ولكن من أين جاءه؟ هذا ما لا يعلم به أحد!
ثم يخرج من داره وهم وقوف، ويسرع إلى التواري في دار صاحبه فيفوتهم دركه، ولو قد أرخى زمام إرادته لشجاعته لثبت لهم وقاتلهم ، فقتل منهم على الأقل قبل أن يقتل، فلقد كان أشجع الناس، ومن كان هذا شأنه لا يهاب الموت، ولا يخشى من أي ناحية أصابه، ولكنه يعلم أن له في هذه الحياة مهما لا يقوم به أحد من العالمين.
وتمت هجرته إلى البلد الذي سبقت كثرة أهله إلى اعتناق ما دعا إليه، والذي يعلم أنهم معزوه وناصروه ومؤيدو دعوته، مهما يجشمهم من التضحية بالأنفس والأموال.
ولم يمض أكثر من عشر سنين حتى يرى البطل على رأس جيش لجب لا يدرك الطرف آخره، في طريقه إلى البلد الذي خرج منه ذلك المخرج الرهيب!
ناپیژندل شوی مخ