أكرههم لكثرة ما ألهب الذهن بطول التفكير في حاضرهم، وما يفري القلب من الإشفاق عليهم في مستقبلهم.
أكرههم لأنهم كثيرا ما يتعذرون على نصحي، ويخالفونني إلى بعض ما أنهاهم عنه مما يؤذيهم ولا يجديهم، ويضرهم ولا ينفعهم، ويبادونني بالغيظ والحقد إذا قمت لتأديبهم وبسط العقوبة الحق عليهم.
وبعد، فأرجو إذا حققت النظر فيما قلت أن تستيقن أنني لا أكره ولدي كل هذا الكره؛ إلا لأنني أحبهم كل هذا الحب.
الشحاذون المودرن
قيل - والعهدة على الراوي: إن مركبا اشتدت به الريح في يوم عاصف، فجعلت تتقاذفه الأمواج، وهو يتمايل ذات اليمين وذات الشمال، ويغترف من ماء اللج ما يثقله، حتى لم يشك السفر في أنه لا محالة غارق بهم، فراحوا يعجون بالدعاء إلى الله تعالى، ويسألونه النجاة من هذا الهلاك، وكان أشدهم اجتهادا في الدعاء والضراعة والابتهال رجل يقول في ابتهاله: يا رب، ماذا عسى لو هلكت أن يكون مصير زوجتي وأولادي السبعة، وليس فيهم من يتكسب، ولا من بلغ سن التكسب؟ ثم ماذا عسى أن يكون مصير أختي المطلقة وولديها الصغيرين؟ ثم من ذا الذي يعول أختي الأرملة وأولادها الأربعة وأنا أحمل الجميع؛ لأنه ليس فيهم من يستطيع أن يعود على الشمل ولو بدرهم واحد؟
أنا لا تعنيني الحياة، ولكن كيف الحيلة بعد موتي في كل هؤلاء؟
وما برح يرفع الصوت بهذه الضراعات حتى كاد يشغل سائر السفر بشأنه عن شأنهم، وحتى كادت تذوب كبودهم من الرقة لحال عياله، وسائر من يعول من آله، ويشاء الله أن تهدأ الريح ويسكن الموج، ويسكن وجه الماء وتبلغ السفينة الشاطئ بسلام.
وما كادت قدم هذا الرجل تطأ الأرض حتى صاح: «والله العظيم، ما كانت لي قط زوجة ولا ولد، ولا لي أخت أرملة ولا مطلقة، وما علت أحدا في الحياة غير نفسي»، وخيبة الله على الجاهل الأحمق المأفون!
ولقد سبق لي من بضع سنين أن أجريت كلاما في الراديو في الشحاذين التقليديين، واستنظرت السامعين الحديث في الشحاذين المحدثين - المودرن.
وإذا كانت عدة هؤلاء تزداد في هذه الأيام بنسبة هائلة، وأساليبهم في الكذبة تتنوع وتتلون، فقد حق علينا أن نلم بحديثهم في مقال.
ناپیژندل شوی مخ