194

ولقد قال بعض السابقين: إن القرآن الكريم على كثرة ما أوصى الولد بالوالدين، وأمره بشدة البر بهما والعطف عليهما والطاعة لهما، لم يوص الوالد بشيء من هذا للولد ولا مرة واحدة، وذلك بأن الوالد غير محتاج إلى الوصية أبدا، فالإنسان يحب ولده كما يحب نفسه، بل لقد يؤثره في أكثر الأحيان على نفسه.

قال زيد بن علي بن الحسين لابنه يحيى - رضي الله عنهم: إن الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فلم يوصني بك.

الوالد يسعى في الحياة ويجهد ويكد؛ ليستريح الولد ويسعد وينعم، وإذا ألمت بالولد وعكة، استحالت في قلب الوالد علة. وإذا ضربته العلة مات أبوه كل يوم عشرين موتة، ضارعا إلى الله في صدق وإخلاص أن يحول ما بولده إليه إذا لم يكن من الفدية مناص!

ولقد أرى الصغير صحيحا معافى، ما به أثر لجهد أو وعك، ولكن نفسي لا تستريح إلا إذا أكثرت من حبه وعد نبضات عرقه، ولقد يخرج إلى الطريق لبعض شأنه، فيمثل لي الشيطان اللئيم مكروها أصابه، فأحس قلبي يتمشى في صدري.

وأخيرا، فإننا معشر الناس مهما تصف نفوسنا، وتطب قلوبنا ونترك من خلة الأثرة فينا، ونرض أخلاقنا على وصاة الدين بأن نحب لإخواننا ما نحب لأنفسنا، إننا مهما نبلغ هذه المنزلة الرفيعة من الفضائل، لا نستطيع أن نحب لغيرنا أكثر مما نحب لأنفسنا، اللهم إلا أن يكون الولد، ومما يحسن أن يذكر في هذا المقام أنه مما جاء في القرآن الكريم ترغيبا في الإيمان وتحبيبا فيه إلى القلوب قول الله - جل مجده:

والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم

1

من عملهم من شيء .

2

وقال تعالى ذكره في الحض على التقوى والتخويف من معصية الله، والتحذير من مجانبة العدل والصواب:

ناپیژندل شوی مخ