ولا تنس هذا الطاجن الذي حشي رزا معالجا بالزبد، وقد دفن الحمام السمين فيه دفنا، وظل في الفرن الهادئ ساعات حتى نضجت قشرته، واحمرت بشرته!
وأما صفحة الكنافة فما أروع دلالها وأحلى وصالها، خصوصا إذا فاضت سمنا وسكرا، وحشيت زبيبا وفستقا وصنوبرا، وغشي وجهها بالقشدة الخالصة، وما شاء الله! وسبحان من أحسن وتفضل، والشكر لمن أنعم وتطول.
اللهم إن هذا العاشق الصب ليقضي ليله الأطول في تمثل هذا وتمنيه، وله من شدة اللوعة زفير أحمى من نار السعير.
ولقد يعمد في هيامه إلى باب الحاني وكبرى المطاعم، فيجد ما يسطع من ريح القنا أزكى مما تجد أنت من النسيم جاز بالروضة المعطار!
أفليس هذا وأمثاله محبين عاشقين، بل محبين والهين لا يفتئون يشكون لوعة البطون، كما يشكو غيرهم لوعة الكبود؟
أما حب الدرجة وما أدراك ما الدرجة! الله أكبر! هل سمعت بالسيل الجارف لا يصده حد، ولا يثبت بين يديه سد؟ وهل سمعت بالريح الصرصر العاتية، تدمدم رائحة أو غادية فتمتلخ في مغارسها الأشجار، وتقتلع من مبانيها الأحجار، وتأتي على كل قائم بالخراب والدمار!
هو كل شغل القلب، أستغفر الله! بل إنه لحب قد استولى على كل نوازع النفس، وملك جميع أقطار الحس حتى لقد تقول للصب المتيم: لقد اشتد البرد يا فلان في هذه الأيام، فيجيبك من فوره: يشاع أن «لجنة الترقيات» ستعقد في صدر هذا الأسبوع المقبل!
ولقد تقول لمتيم آخر: ما أهول هذه الحرب وما أروع فظائعها، فلا يكون جوابه إلا: أيجوز أن يرقى فلان إلى الدرجة الرابعة ولما يمض عليه أكثر من خمس سنين في الخامسة، في حين أنني سلخت فيها ثمانيا؟
ولقد تقول لأحد هؤلاء المتيمين الوالهين على الدرجة: إن فلانا رجل فكه حاضر البديهة، حسن الحديث فيكون رده: لقد رقي إلى الدرجة الثالثة في العام الماضي، وهكذا!
وما له لا تكون الدرجة كل شغله، وما له لا يجعل في الدرجة حديثه أجمعه، أليست الدرجة هي عينه التي بها ينظر، وأذنه التي بها يسمع، ورجله التي بها يسعى، ويده التي يعالج بها ما تعالج أيدي الناس؟
ناپیژندل شوی مخ