على أن في ترديد اسم أوروبا كلما جلسوا إلى الناس، ولما سافرت إلى أوروبا وسنة ما كنا في أوروبا، وبينما كنا في باريس ... إلخ. مما تعي به الطاقة، ما يغني في التعريف عن ألف بطاقة وبطاقة!
على أن مما نحمد الله عليه أنه على تضاعف عدد الذين يخرجون عن البلاد وازدياد عدتهم سنة بعد سنة، فقد قل ولو في النسبة عدد الحكائين منهم.
وللحكائين من هؤلاء في الجيل الماضي عما رأوا في رحلاتهم إلى الآستانة ولبنان حديث يروق ويشوق، ولعلنا نطالع القراء بنماذج منه فهو حقيق بأن يسلي عنهم بعض التسلية، ويرفه عليهم في وقدة الصيف بعض الترفيه.
وإلى الملتقى إن شاء الله.
الحكاءون (1)
رجوت في غاية مقال «في السياحة» أن ألم بحديث الحكائين ممن كانوا يطلبون البلاد الأجنبية إذا كان الصيف، ولعلك تذكر أنني زعمت في ذلك المقال أن غريزة المحاكاة والتقليد كان لهما في تلك البدعة الأثر البعيد.
كان الكبراء من رجال الحكم ومن على شاكلتهم يشدون الرحال إلى الآستانة في مطالع الصيف وعلى رأسهم ولي الأمر نفسه، وجعلت العدوى تسري حتى أصابت أهل الطبقة الوسطى فمن دونهم، فمن عز عليه السفر إلى الآستانة اكتفى بالشخوص إلى الشام، وكانت كلمة الشام تطلق في مصر على ما ندعوه الآن سوريا، ولبنان، وفلسطين ... إلخ.
وكيفما كانت الحال، فإن السائح إذا عاد إلى مصر جلس في داره أياما للهناء، وربما سبق أهله فزينوا باطن الدار وظاهرها فرحا بسلامة القدوم، وترى الناس يقبلون عليه أفواجا يبدون له فرحهم بعودته سالما، وغبطتهم له بظهر الغيب على ما رأى وما شهد، ولا يلبثهم هو حتى يسألوه عن شيء من ذلك، بل إنه ليعاجلهم بالحديث الطويل، كلما أقبل فوج من الناس أعاد الحديث وكرره، وهكذا حتى تنقضي أيام الهناء، إذا يخرج للقاء الناس فلا يضمه بهم مجلس، بلى لا يكاد يلوح له اثنان يتحاوران في شأن لهما حتى يفسح لنفسه بينهما مجلسا، ثم طفق يتحدث فيما رأى في رحلته وما شهد، وما أكل وما شرب، ولقد تكون رحلته من يوم تحمله إلى يوم مهبطه مصر قد استهلكت ثلاثين يوما فقط، ولكنه مستهلك في الحديث عنها ثلاثين عاما!
ولقد ضاق بهذا جماعة من أهل الأدب والظرف وبرموا به برما شديدا، وكان على رأسهم المرحومان السيد محمد المويلحي «بك»، والسيد محمد البابلي «بك»، وغيرهما ممن لا يزالون في الحياة وصل الله في أعمارهم، وأسبغ عليهم العافية، فقعد والجماعة الحكائين كل مرصد، وكلما تحركت في مجالسهم شفتا حكاء، راحوا يوبخونه ويتلقونه بالنكتة الكاوية من جميع أقطاره حتى يعصروه عصرا، وما زالوا بجمهرة الحكائين كذلك حتى أزعجوهم عن هذه الخلة، وعقدوا ألسنتهم عن الخوض في هذا الحديث السمج المعاد! فالفضل في كف هذا البلاء عن المجالس لهم، جزاهم الله خير الجزاء!
والعجيب أن الحكاء من هؤلاء سواء تحدث عن اصطنبول أو الشام فإنه قل أن يلم في حديثه الطويل العريض بالطبيعة، وما آثرت تلك البلاد من فتنة وجمال!
ناپیژندل شوی مخ