143

ترى ماذا عسى أن يكون مصير الفتاة؟

هنا تتطاير أشأم الظنون كل مطار، وهنا يغلي صدر هذا الطود غليان القدر حتى لتكاد تتصدع الأضلاع، لولا ما كان يروح عنها من ذلك الزفير تتنفس به نار السعير!

لقد أصابها منية، وإذن لقد سلم الشرف وحبه، فالشرف هو كل شيء في هذه الحياة!

أكرمك الله يا حبيبي ميتا كما أكرمك حيا، وأمتعك بملاعبة ابنتك الحلوى في دار النعيم.

وهنا جعل صاحبي يبكي وينشج حتى لم يعد يقوى على كلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

مسألة

نحن ضعاف - ما في هذا شك - والغربيون أقوياء وما في هذا شك أيضا، وإنا لنبغي أن يكون لنا مثل حظهم أو جليل من حظهم من القوة والعظمة، ولكن كيف السبيل؟ اللهم إن السبيل واضحة لا عوج فيها ولا أود هي أن نأخذ أخذهم، ونسعى سعيهم، ونحذو في وسائل الحياة حذوهم، وبذلك نبلغ كثيرا مما بلغوا إذا لم يقدر لنا أن نصبح مثلهم، وأرانا بحمد الله فاعلين بل أرانا في هذا جادين جاهدين، ها نحن أولاء نتعلم علومهم وننقل فنونهم، ونتروى ما تنتضح به قرائحهم في آدابهم، ونمرن أيدينا في تقليد صناعاتهم، وننهج في تجارتنا نهجهم، نستن في أسبابنا المالية والاقتصادية سبلهم، ونطبع جيشنا على غرار جيشهم، ونعد من آلات الحرب ما يعدون لأنفسهم، ونجري في أنظمة الحكم وسياسة الجماعة على طرائقهم، ونشيد دورنا على طرز دورهم، ونتخذ لها من الأثاث كل جديد من أثاثهم ونتزيى بأزيائهم، ونتخلق بأخلاقهم ونتأدب بآدابهم، ونصطنع عاداتهم ونفكر على أساليب تفكيرهم، ونسلك في فنون النقد مسالكهم، والخلاصة أننا بتنا نقلدهم في كل كبير وصغير ونترسم أثرهم في كل دقيق وجليل، لا نستثني على هذا إلا بعض ما تحتمه علينا قواعد ديننا في زواجنا وطلاقنا، وما إلى ذلك من أسبابنا، وإلا ما لا تزال تمسك علينا العادات المستأصلة من آلاف السنين حتى كادت بذلك تتصل بالخلق وتلصق بالطبع، على أنها في طريق التحول والنصول ولا بد لها يوما أن تحول.

نحن صائرون إلى حياة غريبة لا شك فيها، وما لم يأخذه منها لنفعه ونحاكيه ابتغاء ثمرته، أخذناه جريا على سنة الطبعية في تقليد الضعفاء للأقوياء ومحاكاتهم - بظهر الغيب - لهم دون تمييز بين ما ينفع وما يضر، ولا نقد لما يسوء مما يسر.

نحن صائرون في عامة أمورنا إلى هذا العيش، ما لنا إلى غير ذلك حيلة وإن شئت قلت: ما لنا من ذلك بدا! على أن هنا أمرا جليل الخطر، أو على الأدق من أجل الأمور خطرا، قد سقط في هذه الوثبة من حسابنا، وأخشى إذا هو تخلف أن تكون مشيتنا في حضارتنا الجديدة عرجاء، وكيف للأعرج بمسايرة المغذين الأقوياء؟

فقد رأيت أن كل عناصر الحياة عندنا غربي خالص، اللهم إلا عنصرا واحدا لا غناء عنه ولا سداد بدونه، ومن ينكر أن اللغة من مقومات حياة الأمم، فهو كمن ينكر الشمس في وضح النهار كما يقولون!

ناپیژندل شوی مخ