بسم الله الرحمن الرحيم، ربِّ يَسِّر قال العتابيّ: بعث إليَّ طاهر بنُ الحُسين في يوم دَجنٍ فدخلت عليه وبين يديه خادم يسقيه فقال: يا عتابي، أما ترى يومنا ما أرقه وساقينا ما أظرفه فإن قلت ما نحن فيه شعرًا يقع بموافقتي وهبتُ لك الخادم، فقلت: أَيُها الساقي الذي أصبح يسقينا الرَّحيقا سَقِّ نَدماني عُقارًا ... واسقني من فيكَ ريقا فَمُنى نفسي هذا ... نِ صبوحًا وغبوقًا طاهرٌ بَرٌّ جوادٌ ... فاتخذناه طريقا وكذا كان [حسينٌ] فحكى الغُصنُ العُروقا فقال: أحسنتَ، خذ الغلام، فلما صرت إلى الدهليز تبعني وكيله فقال: تبيع الخادم، فقلت: نعم. قال: بكم، قلتُ: بألف دينار وظننت أني لم أبقِ غايةً، فقال: هي لك، ودفعها إليّ، فلحقني رسول طاهر فردني فقال: ما صنعت بالخادم، قلت: بعتُهُ، قال: بكم؟ قلت: بألف دينار، قال: والله لو أبيت إلا مائة ألفٍ لأعطيتُها. قال ابن قتيبة: وخرج أبو عيسى ابن الرشيد متنزهًا إلى القفص ومعه أبو نواس، فأقام في نزهته شعبان كله، فلما كان أول يوم من رمضان، عزم أبو عيسى على الصوم، فقال له أبو نواس: هذا يوم شك وليس للشك حُجة على اليقين ومن يُفطره أكثر ممن يصومه، وأنشده: لو شئت لم نبرح من القفص ... نشربها صفراء كالجص نسرقُ هذا اليوم من شهرنا ... فالله قد يعفو عن اللص وخرج أبو عيسى مرة إلى القفص ومعه أبو نواس فأقاما في نزهتهما أُسبوعًا، ثم قال له: بحياتي صف مجلسنا، وأيامنا هذه، فقال: يا طيبَنا وقصورُ القفص مشرقةٌ ... فيها الدساكِرُ والأنهارُ تَطرِدُ لما اصطحبنا بها صهباء صافيةً ... كأنها لَهَبٌ في الكأس يَتَّقِدُ فقام كالبدر مشدودًا قراطُقُه ... ظبيٌ يَكادُ من التهييفِ يَنعقدُ فاستَلَّها من فمِ الإبريق فانبعثت ... مثل اللسان جرى واستمسك الجَسد فلم نزل في صباح السبت نأخذُها ... والليل يأخذنا حتى بدا الأَحدُ وفي الثلاثاءِ أعملنا المطيَّ بها ... صهباءَ ما قرعتها بالمزاج يَدُ والأربعاءِ كسرنا حدَّ شِرتِهِ ... والكأس يضحك في حافاتها الزبدُ ثم الخميس وصلناه بليلته ... قصفًا وتم لنا بالجمعة العددُ في مجلس حولَهُ الأشجارُ مُحدقةً ... وفي جوانبه الأطيار تغتردُ لا نستخفُّ بساقينا لِعزته ... ولا يَرُدُّ عليه حكمه أحدُ عند الهُام أبي عيسى الذي كملت أخلاقهُ فهي كالعِيقان تُنتقدُ وبالجزيرة دير يقال له دير حنظلة، قال أبو الفرج الأصبهاني: نُسبَ إلى رجلٍ من طيءٍ يقال له حنظلة ابن أبي عفراء أحد بني حية رهط أبي زبيد الطائي، وكان حنظلة من شعراء الجاهلية فتنصَّرَ وفارق بلاد قومه، وباع كل ما كان له وبنى هذا الدير وأقام به مترهبًا حتى مات، وهذا الدير في أحسن مكانٍ من الجزيرة وأكثره مياهًا وشجرًا ورياضًا وزهرًا، وهو موصوف بالحسن والطيب، وقد قالت فيه الشعرراءُ فأكثرت، وغُنِّي في أشعارهم؛ فممن نزله عبد الله بن الأمين محمد بن زبيدة. حكى قدامة بن جعفر عن حمَّاد بن إسحق قال: حدثني أبو نجاح قال: كنت مع عبد الله بن الأمين وقد خرج إلى نواحي الجزيرة. وكانت له هناك ضياعٌ كثيرة حسنة فاجتزنا بدير حنظلة هذا، وكانت أيام الربيع، وكانت حوله من الرياض ما ينسي حُلل الوشي، وبُسط خضرة وزهر، فنزلنا فيه وبعث إلى خمار بالقرب من الفرات، فشربنا وكان عبد الله حسن الصوت، حاذقًا بالغناء والضرب، ظريفًا كاملًا فقال: أَلا يا دير حنظلة المفدى ... لقد أَودعتني تعبًا وكدّا أَزُفُّ من العقار إليك زقًَّا ... وأجعل فوقه الورق المندى أَلا يا دير جادتك الغوادي ... سحائب جُليت برقًا ورعدا تزيد نباتك النامي نموًا ... وتكسو الأرض حسنًا مستجدا فاصطحبنا فيه عشرة أيام، وعبد الله ومن معنا من المغنين يغنوننا. ولعبد الله في هذا الشعر لحنٌ من خفيف الرَّمل مليح، وفي هذا الدير يقول الشاعر:

1 / 1

طرقتكَ سُعدى بين شطي بارق ... نفسي الفداءُ لطيفها من طارق يا دير حنظلة المُهيج للبكا ... هل تستطيع دواء داء العاشقِ وبالجزيرة دير علقمة، بناه علقمة بن عديّ اللخمي وفيه يقول عديُّ بن زيد العُبادي، وفيه غناء: نادمتُ بالدير بني علقما ... عاطيتهم مشمولةً عندما كأنَّ ريح المِسْكِ في كأسها ... إذا مزجناها بماءِ السَّمَا من سَرَّهُ العيشُ ولذاتهُ ... فليجعلِ الراحَ له سُلما فاشرب على الدير ولذاته ... إذا اشتهيت اليومَ أن تنعما وكان متنزهًا لأُمراء الحيرة يأكلون عنده ويشربون وكثيرًا ما تنزه فيه أمراء الحيرة، وبها دير حنظلة بن عبد المسيح اللخمي الذي يقول فيه الشاعر: بساحَة الحيرة دير حنظلة ... عليه أذيال السرور مُسبلة أحيَيْتُ فيه ليلةً مقتبلة ... وكأسنا بين الندامى مُعْملة والراحُ فيها مثل نارٍ مُشعلة ... وكلُّنا أنفذ ما قد خُوِّلَهْ فيها يلذُّ عاصيًا من عذله ... مبادرًا قبل يلاقي أجله قال أبو الفرج الأصبهاني: وبالحيرة دير هندٍ بنت النعمان ابن المنذر، ودخل عليها خالد بن الوليد فقال لها: أسلمي حتى أُزوجك رجلًا من المسلمين شريفًا أصيلًا يُشبهك في حسبك، فقالت: أما ديني فمالي عنه رغبة، ولا أبغي به بدلًا، وأما التزويج، فلو كانت فيَّ بقية ما تزوجت ولا رغبت فيه، فكيف وأنا عجوز، هامة اليوم أو غد؛ قال لها: فسليني حاجة أقضيكِها، قالت: أكبر حاجتي هؤلاء النصارى الذين في ذمتكم، قال: نعم هذا فُرض علينا في ديننا، أَوصانا به نبينا (ص) فهل غير هذا؟ قالت: أنا في هذا الدير ملاصقة لهذه الأعظم البالية من أهل بيتي وملتي ألحق بهم، وأَمَرَ لها بمالٍ وكسوةٍ، فقالت: ما لي بشيء مما بذلته حاجة، معي عبدان يزرعان مزرعة أتقوت منها بما يُمسك رمقي، وأصرف ما بقي في ضعفاء أهل ديني، وقد اعتددتُ بقولك فعلًا، وبِعدَتِك نقدًا، ولكن اسمع مني دعاءً كان يدعو به مُلاكنا، لا ملكتك يد افتقرت بعد غَناء ولا ملكتك يد استغنت بعد فقرٍ وأصاب الله بمعروفك مواضعه ولا أزال عن كريم نعمة، إلا جعل سبب ردِّها على يديك بِك. ودخل عليها المغيرة بن شُعبة وهو يلي الكوفة فحادثها، ثم قال لها: فيم كانت لذةُ أبيك؟ قالت: في محادثة الرجال وشرب الجريال، قال: إني جئتك خاطبًا فضحكت وقالت: والصليب، فما ذاك رغبةً منك في مالٍ، ولا تمتعًا بجمالٍ، ولكنك أردت أن تفخر وتقول إني قد نكحتُ ابنة النعمان بن المنذر، وإلا فأَيُ خير في شيخٍ أعور وعجوز عمياء. وكان بعد ذلك شباب الكوفة يخرجون إلى هذا الدير متنزهين، يأكلون في رياضة ويشربون وفيه يقول الشاعر: ألا ليت شِعري هل أبيتَنَّ ليلةً ... لدى ديرِ هندٍ والحبيبُ قريبُ فتقضى لُبانات، وتُلقى أحبَّةٌ ... ويورق غصن للشباب رطيبُ وفيه يقول الآخر: لئن طال في بغداد ليلي لربما ... يُرى بجنوبِ الدير وهو قصيرُ وفيه يقول حسان بن ثابت: يا دير هند لقد أصبحتَ لي أنسًا ... ولم تكن قطُّ لي يا دير مئناسا سَقيًا لِظِلك ظِلًا كنتُ آلفهُ ... فيه أُعاشر قِسيسًا وشماسا قِدمًا وكانت الأوقات من طربٍ ... ومن سرورٍ به يا قوم أعراسا لا أعدمُ اللهو في أرجاء هيكله ... ولا أردُّ على الساقي به الكاسا وكان لإسحق بن إبراهيم غلامٌ قد رباه وعلمه فصار من أحذَقِ الناس فنفد له النبيذ يومًا فكتب إلى إبراهيم بن المهدي: جُعلت فداءَ الأمير، حضرني بيتٌ فصنعتُ فيه لحنًا ووجهته إلى الأمير وأمرتهُ بإنشاده إياه. قال: فصار إلى إبراهيم فغناهُ الصوت وهو: نديمي قد خَفَّ الشرابُ ولم أجد ... له سورةً في عظم رجل ولا يد فضمَّ له إبراهيم هذا البيت: فدونك هذا الرِّيّ فاشرب مُسلمًا ... فلا خير في الشرب القليل المُصَردِ وبعث إليه ثلاثة أبغُل عليها ألوان من الشراب مجللة بأثواب الديباج وثلاثة غلمان روم وأجاز زيدًا بجائزة سنية.

1 / 2

قال محمد بن الحارث بن بُسْخُنَّر عرضت لي حاجة إلى إبراهيم بن المهدي فبكرتُ إليه في يوم غيم ورذاذ فصادفتهُ قد لبس ثيابه وأُسرجت دوابه، فلما وصلت إليه خلعَ ثيابه وأَمَرَ بحطِّ السروج ثم قال لي: أردتُ الركوب إلى الخليفة، فلما رأيتك آثرت نفسي بك، وهذا يوم حسن لا يضيعه إلا من غُبن حظه، فأقم حتى أُطعمك اللحم طريًا وأسقيك الشراب صرفًا وأُسمعك الغناء، قلت: ما شيء أطيب إليَّ مما عرضه الأمير عليَّ، فدعا بضربٍ من لحوم الجدا والحملان والطير المسمن، فاتخذت له منه ضروب شواءٍ وكباب وقلايا، فأكلنا منها حاجتنا ثم أتينا بألوان من الشراب المطبوخ والمشمس، فاختار منه وسقاني، ثم دعا بجوارٍ فضربن عليه وغُنى أصواتًا من صنعته، فمرَّ لنا ألذُّ يومٍ وأطربه. وكانت لأم جعفر زبيدة جارية تسمى جُلنار أحسن الناس وجهًا وأطيبهم غناءً، وكانت عُليَّة بنت المهدي تمازحها وتكنيها بأبي الورد، فغلبت هذه الكنية على اسمها حتى صارت لا تُعرف إلا بها، فقالت أبو الورد: كنت ذات يومٍ واقفةً على رأس أم جعفر والسماءُ متغيمة، إذ هطل المطر، فقالت لي أم جعفر: اذهبي إلى أختي عُلية فأقرئيها مني السلام، وقولي لها ألا ترين إلى هذا اليوم وطيبه، فعلى أي شيء عزمت فيه. فخرجت عنها، حتى دخلتُ على عُلية فإذا هي جالسة في طارمة في وسط بستان لها والمطر يقع على الطارمة فيجيئُ له صوتٌ شديدٌ وفي يدها عود وهي تغني وعلى رأسها جاريةٌ كأنها خوط بانٍ، حسنة الوجه، فإذا غنت عليه صوتًا قالت لها اسقيني فتسقيها، فلما رأتني فرحت بي وقالت: الحمد لله الذي منَّ علي بك، فأكببت على البساط فقبلته، فقالت: لا والله إلا معانقة، فعانقتها، وقبلت فاها ورأسها ويديها وأديتُ إليها رسالة أم جعفر، فقالت: خبري أني منذ السحر أشرب فوق هذه الطارمة على صوت المطر، والذي عزمتُ عليه، إتمامُ السرور والشرب، فلستُ مفارقتك اليوم. فقلتُ لها: يا سيدتي أم جعفر تنتظرني، فأُدي إليها الرسالة وأرغب إليها في المسامحة بالعودة إليك فقالت: أنا أجعل الرسول غيرك. وبعثت إليها جارية تعرفها بحالها، وتسألها في أن تؤنسني في المقام عندها، فأقمتُ ودعت لي بالطعام فأكلتُ، وجعلت تسقيني وتشرب وتغنيني وأُغنيها، فبينا نحن كذلك إذ دخل الخادمُ فقال: إبراهيم أخوك، فدعت بطبق عليه مأكولٌ، وقالت: هاتوا عودًا حنانًا فضعوه ناحيةً، فأتيت بذلك وإبراهيم واقفٌ بالباب، ثم أذنت له فدخل فأكب على رأسها، فقالت: لا تكلمني أو تأكل، ففعل، ثم دعت بقدحٍ فيه رطلان فشربه، ثم قالت: خذ عودك وآخذ عودي، ففعل، فما زالت تغني صوتًا ويغني صوتًا وأُغني ونشرب، إذ دخل الخادم فقال: أخوك يعقوب بالباب، فأمرت بإحضار طبقٍ عليه طعان، ثم قالت أحضروا نايًا جيدًا، فأُحضر ثم أذنت له فدخل، وأكب على رأسها فقبله، فقالت: اجلس وكُل، فأكل، ثم دعت برطلين في قدح فشربه وتناول الناي فزمر وكان أحسن الناس زمرًا وضربًا جميعًا، فسمعتُ والله شيئًا ما سمعتُ أحسن منه قط، فسكرتُ من الشراب والطرب فلم أعقل ورحت أتمايل سكرًا حتى دخلت على أم جعفر فحدثتها بما جرى، فجعلت تضحك وأمرت لي بخلعةٍ من ثيابها. وكان يقال: لا يُعرف في بنات الخلفاء مثل عُلية بنت المهدي جودة شعر وحسن صنعة، وكانت أكمل النساء عقلًا ودينًا وصيانةً ونزاهة، وكان الرشيد يعظمها ويجلسها معه على سريره، وكانت تحبُّ خادمًا للرشيد يقال له ظلٌّ فتكنّي عنه، من ذلك قولها فيه: أيا سروة البستان طال تشوقي ... فهل لي إلى (ظلٍّ) لديكِ سبيل من نلتقي من ليس يُرجى خروجُهُ ... وليس لمن يهوى إليه دخول ومن قولها فيه: قُل لذي الأصداغ والطُّرة والوجه المليحِ ولمن أشعل نارَ الحبالحبِّ في قلبٍ قريح ما صحيح أَثَّرت عيناك فيه بصحيح ومما قالت وغنته في طريقة الرمل: سلِّم على طرفِ الغزال الأغيد الحلو الدلالِ سلِم عليه وقلْ له ... يا غُلَّ ألباب الرجال خليت جسمي ساجيًا ... وسكنت في ظلِّ الحجالِ وبلغت مني غاية ... لم أدرِ فيها ما احتيالي ومن قولها وغنائها: جاءني عاذلي بوجهٍ قبيحِ ... لائمًا في وصالِ وجهٍ مليحِ

1 / 3

ظبيةٌ تسكن القِبابَ وترعى ... ثمر القلب لا أراكٍ وشيحِ ومن غنائها وشعرها: قُم يا نديمي إلى الشمولِ قد نمتَ عن ليليَ الطويلِ أما ترى النجم قد تولى ... وهم بهرامُ بالأُفولِ من عاقر الراحَ أخرسته ... فلم يجب منطقَ السؤولِ قال لي الهيثم بن عدي: قال: قال الشعبي: لما وَلِيَ بشرُ ابن مروان العراق، ولأني مظالمه. وبلغ حُنين بن بلوع المغنيّ وكان يسكن الحيرة: أن بشرًا يشرب الشراب، ويسمع الغناء، فأتى الكوفة، فذُكر له أن ابن مُحرز قَدِمَها، فتلطف له جتى دعاه فغناه ابن محرِز، فسمع شيئًا هاله وحيره - وَعَلِم أن بشرًا إن سمعه لم يُخل هو منه بطائل - فقال له: كم منَّتك نفسك من العراق، قال: ألف دينار، فقال: هذه خمسمائة دينار حاصلة، ونفقة سفرك عاديًا وباديًا ودع العراق لي وامضِ مصاحبًا حيث شئت، وكان ابن محرز صغير الهِمة لا يحب عِشرة الملوك فأخذها وانصرف، وقصد حنين بشرًا فلطفت منزلته عنده وخصَّ به وأجزل عطيته. قال الشعبي: فاستأذنت على بشرٍ ذات عشيةٍ، فقال لي حاجبه، يا أبا عمرو، الأمير على حالٍ ما أظنك تصل إليه معها، فقلت: أعلمه وخلاك ذمٌ، فقد حدث أمرٌ لا بدَّ من إنهائه إليه، فاستأذنهفقال: يدخل، فدخلت، فإذا بشرٌ عليه غلالةٌ صفراءُ رقيقة، ومُلاءةٌ تقوم قيامًا من شدة الصقال، وعلى رأسه إكليل من ريحان قد فصِّل بوردٍ ونرجس، وعن يمينه عكرمة بن ربعي وعن يساره خالد بن عتاب بن ورقاء، وبين يديه حنينٌ بن بلوع وعوده في حجره، فسلمتُ، فرد السلام، ورحب وقرَّب، ثم قال: يا أبا عمرو، لو كان غيرك لم آذن له على هذه الحال. فقلت: أصلح الله الأمير، لك الستر لكلِّ ما رأيت، والشكرُ على ما أوليت، فقال: كذلك الظنُّ بك، ثم غنى حنين، فقلت له: شُدَّ الزيرِ وأَرخِ البَمَّ، ففعل وضرب فأجاد، فقال بشر لأصحاب: أُلامُ على أن آذن لهذا على كلّ حالٍ كنتُ فيها؟ ثم التفتَ إليَّ وقال: من أين لك علمُ هذا. قلتُ: كنا نسمعه في أعراسنا. فظننت أن الأمر كذلك أصلح. فقال: إنه كما ظننت، ولما أردتُ القيام، أمر لي بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب، فقمتُ مع الخادم حتى قبضتُ ذلك. وكان آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز من الخلعاء المجَّان. روى مُصعب الزُّبيري قال: كان آدم بن عبد العزيز يدمِن شرب الخمر ويفرط في المجون، وكان أديبًا شاعرًا فأخذه المهدي وجلده ثلاثمائة سوط على أن يقر بالزندقة، فقال: والله ما أشركت بالهه طرفة عين قال: فأين قولك: اسقني واسق خليلي ... في دجى الليل الطويل قهوةً صهباء صرفًا ... سُبئت من نهر بيل من ينل منها ثلاثًا ... ينس منهاج السبيل ومتى ما نال خمسًا تركته كالقتيل في لسان المرءِ منها ... مثل طعم الزنجبيل عتقت حُولًا وحولًا ... بين كرمٍ ونخيلِ ريحُها ينفح منها ساطِعًا من رأسِ ميلِ قل لمن يلحاك فيها من فقيه ونبيل أنت دعها وارجُ أُخرى ... من رحيق السلسبيل نعطش اليوم ونُسقى ... في غدٍ نعتَ الطلول قال: وإن قلت ذلك فإني موحِّد، ولست بزنديقٍ أقول بلساني ما لا يعتقده جناني، فقال له: إذا عنَّ لك شيءٌ من هذا فاذكر سلَفَك، وخلي سبيله. قال مُصعب: وقال بعضهم لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: إن بنيك يشربون الخمر، قال: صِفوهم لي، قال: فلانٌ إذا شرب خرَّق ثيابه وثياب نديمه، فقال: سوف يدع هذا شربها، قالوا: وفلان إذا شرب تقيأ في ثيابه وأفسدها، قال: وهذا سوف يدعها، قالوا: وأما آدم فإنه إذا شرب أسكر ما يكون، لا ينال أحدًا بسوء، قال: هذا لا يدعها أبدًا، فكان كما قال.

1 / 4

وقال محمد بن الحارث بن بُسْخُنَّر: جزت يومًا إلى إبراهيم بن المهدي فرأيته كئيبًا مهمومًا فقلتُ له: ما لي أراك بهذه الحالة، فقال: ويحك دعني، فقلت: والله لا أدعك حتى أعرف خبرك، قال: لم يكن أحد سمع غنائي غير الرشيد، فقال لي ليلة: جعفر بن يحيى صديقُك ولا تحتشم منه، وأنا أحب أن تغني له صوتًا، فبحياتي إلا فعلت، ودعا لي بألف درهم، فغنيته وحُمل المال إلى منزلي، وكنا البارحة عند المعتصم فقال لي سيما الشارباني: أشتهي أن تغني لي ذلك الصوت، قلت أيّما، قال: لا أدري، ولكن تغني كلَّ ما تدري فإذا مر عرَّفتُك، فورد عليَّ ما تمنيت معه الموت، فأيُّ غمٍّ يكون أشد من هذا. ودخل أحمد بن الحسين المتنبي على عليّ بن إبراهيم التنوخي، فعرض عليه كأسًا فيها نبيذ دوشاب أسود فقال: أغار على الزجاجة وهي تجري ... على شفة الأمير أبي الحُسين كأن بياضها والراحُ فيها ... بياض مُحدق بسواد عينِ شربها فقال له: مَرَتكَ ابن إبراهيم صافية الخمر ... وهُنئتها من شارب مسكر السُّكر رأيت الحميا في الزجاج بكفه ... فشبهتها بالشمس في البدر في البحر وكان بدر بن عمار قد تاب من الشراب مرة بعد أُخرى فرآه يشرب فقال: يا أيها الملك الذي ندماؤه ... شركاؤه في مِلكِهِ لا مُلكهِ في كل يوم بيننا دمُ كرمةٍ ... لك توبةٌ من توبةٍ من سفكه والصدق من شيم الكريم فقل لنا ... أمن الشراب تتوب أم من تركه وشرب عنده ليلة فلما كان من غدٍ عُرض عليه الصبوح فقال: رأيت المُدامةَ غلاَّبةً ... تهيج للمرءِ أَشواقهُ تُسيئ من المرءِ تأديبه ... ولكن تحسِّن أخلاقهُ وقد مُتُّ أمسِ بها موتةً ... وهل يشتهي الموت من ذاقه وقال يحيى خالد: كنت أهوى جاريتي دنانير وهي لمولاتها دهرًا، فلما وضع المهدي الرشيد في حجرياشتريتها فلم أُسر بشيءٍ من الدنيا سروري بها، فما لبثت يسيرًا حتى وجَّه المهدي الرشيد غازيًا إلى بلاد الروم، فخرجت معه، فعظم علي فراقها، وأَقبلتُ لا يُهنئني طعامٌ ولا شرابٌ، صبابةً بها وذكرًا لها، فتوغلنا في بلاد الروم وأصابنا برد شديد، وثلجٌ كثير، فإني ليلة في مضربي، أتقلبُ في فراشي تذكرًا لدنانير، إذ سمعت عناءً خفيًا وضرب عودٍ بالقرب مني فأنكرت ذلك، وجلست في فراشي وتسمعت صوتًا شجاني من غير أن أفهمه، فقمتُ وقد غلب النومُ أهل العسكر فتخللت المضارب حتى انتهيت إلى خيمةٍ من خِيم الجند فإذا فيها سراجٌ فدنوت منه، فإذا فتى جالسٌ وبين يديه زكرة فيها شراب وفي حجره عودٌ وهو يشرب ويتغنى: ألا يا لقومي أطلِقوا غُلَّ مرتَهَنْ ... ومُنُّوا على مستشعر الهمِّ والحَزنْ أَلم ترَها بيضاء وردًا شبابُها ... لطيفة طيِّ البطنِ كالشادن الأغَنْ تذكر سَلْمَى وهي نازحةٌ فَحَنْ ... وهل تنفع الذكرى إذا اغترب الوطن وكلما غنى بيتًا بكى وتناول قدحًا فصبَّ فيه من ذلك الشراب، فيشربُ ثم يعود فيفعل مثل ذلك وأنا اراه فأبكي لبكائه، ثم سلمتُ عليه فرد السلام، واستأذنت في الدخول فأذن، فلما دخلت أجلني وأوسع لي، فقلت: يا فتى، أخبرني بخبرك وما سبب هذا البكاء فقال: أنا فتى من الأبناء ولي بُنيَّةُ عمٍّ نشأنا حبيبين فعَلِقْتُها وعلقتني، ثم بلغنا فحُجبت عني، فسألت عميّ فزوجنيها، ومكثت حينًا أحتال لمهرها، حتى تهيأَ فأديته وأَعْرستُ بها، فلما كان يوم سابعها ضُرب علي البعث فخرجتُ وبي من الصبابة بها والشوق لها ما الله به عليم، فإذا أصبتُ شرابًا أخذت منه الشيء ثم أفعل ما ترى تذكارًا لها، فقلت: هل تعرفني، قال: قلت أنا يحيى بن خالد، فنهض قائمًا، فقلت له: اِجلس، اِلقني غدًا أولَ حركة الناس، فإني صائرٌ من أمرك إلى ما تحب، ووافق ذلك رسولًا يُنفذ إلى المهدي، فلما كان من غدٍ وتهيأ الناس للرحيل، فأول من لقيني ألفني، فقلتُ ما اسمك، وفي قيادة من أنت فخبَّرني، فدخلت على الرشيد فخبرته خبره، فأمر له بعشرة آلاف درهم وأصحبته الرسول.

1 / 5

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.