362

قوت القلوب

قوت القلوب

ایډیټر

د. عاصم إبراهيم الكيالي

خپرندوی

دار الكتب العلمية - بيروت

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م

د خپرونکي ځای

لبنان

ژانرونه

ادب
تصوف
فقال: ما بالكم أنتم في الأمم مثل شعرة بيضاء في جلد ثور أسود، والخبر المشهور: لو لم تذنبون لخلق الله تعالى خلقًا يذنبون ليغفر لهم، وفي لفظ آخر: لذهب بكم وجاء بقوم يذنبون فيغفر لهم، إنه هو الغفور الرحيم أي أن وصفه ﷾ المغفرة والرحمة، فلابدّ أن يخلق مقتضى وصفه حتى يحق وصفه عليه هذا كما يقول في علم المعرفة: إن له ﷾ من كلّ اسمٍ وصفًا ومن كل وصف فعل، وفي هذا سرّ المعرفة ومنه معرفة الخصوص، وحكي لنا معناه عن إبراهيم بن أدهم ﵁ قال: خلا لي الطواف ذات ليلة، وكانت ليلة مطيرة مظلمة فوقفت في الملتزم عند الباب فقلت: ياربّ اعصمني حتى لاأعصيك أبدًا، فهتف بي هاتف من البيت: ياإبراهيم أنت تسألني العصمة وكل عبادي المؤمنين يطلبون ذلك، فإذا عصمتهم فعلى من أتفضّل ولمن أغفر؟ وكان الحسن البصري ﵁ يقول: لو لم يذنب المؤمن لكان يطير طيرًا ولكن الله تعالى قمعه بالذنوب.
وفي الخبر مثله: لوم لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو شرّ من الذنوب، قيل: وما هو؟ قال: العجب، ولعمري أن العجب من صفات النفس المتكبرة، وهو يحبط الأعمال، وهو من كبائر أعمال القلوب والذنوب من أخلاق النفس الشهوانية، ولأن يبتلي العبد الشهوانِي بعشر شهوات من شهوات النفس خير له من أن يبتلي بصفة من صفات النفس مثل الكبر، والعجب، والبغي، والحسد، وحبّ المدح، وطلب الذكر؛ لأن هذه منها؛ معاني صفات الربوبية، ومنها أخلاق الأباسلة، وبها هلك إبليس، وشهوات النفس من وصف الخلقة وبها عصى أدم ربه فاجتباه بعدها وتاب عليه وهدى، وقد قال بشر بن الحرث: سكون النفس إلى المدح أضرّ عليها من العاصي، ورأى يوسف بن الحسين مخنثًا فأعرض عنه إزراء عليه، فالتفت إليه المخنث وقال: وأنت أيضًا يكفيك مابك ففزع من قوله، فقال: وأي شيء تعلم؟ قال: لأن عندك أنك خير مني، فاعترف يوسف بقوله، فتاب واستغفر وكان بعض الراجين من العارفين إذا تلا هذه الآية، آية الدين التي في سورة البقرة، يسرّ بذلك ويستبشر لها ويعظم رجاؤه عندها، فقيل له في ذلك: إنها ليس فيها رجاء ولا ما يوجب الاستبشار فقال: بلى فيها رجاء عظيم، قيل: وكيف ذلك؟ فقال: إن الدنيا كلّها قليل ورزق الإنسان فيها قليل من قليل وهذا الدين من رزقه قليل، ثم إن الله ﵎ احتاط في ذلك ورفق النظر لي بأن وكد ديني بالشهود والكتاب وأنزل فيه أطول آية في كتابه، ولو فاتني ذلك لم أبال به فكيف يكون فعله بي في الآخرة التي لا عوض لي من نفسي فيها.
وكذلك كان بعض الراجين يفهم من قوله تعالى إذا تلا: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ الله ما لَمْ يَكُونوا يَحْتَسِبُونَ) الزمر: ٤٧ يرجو من ذلك بوادي الجود والإحسان مما لم يحسبه في الدنيا قطّ، وقد كان الجنيد ﵀ يقول: إن بدت عين من الكرم ألحقت المسيئين

1 / 368