قوت القلوب
قوت القلوب
ایډیټر
د. عاصم إبراهيم الكيالي
خپرندوی
دار الكتب العلمية - بيروت
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م
د خپرونکي ځای
لبنان
وأن لا يسلبهم بفضله ما به بدأهم، ومن الناس من يعيش مؤمنًا ويموت كافرًا فهذا موضع خوفهم عليهم وعلى غيرهم لمكان علمهم بهذا الحكم ولغيب حكم الله تعالى بعلمه السابق فيهم، ومن الناس من يعيش كافرًا ويموت مؤمنًا، ومنهم من يعيش كافرًا ويموت كافرًا؛ فهذان الحكمان أوجبا رجاءهم الثاني للمشترك إذا رأوه فلم يقنطوا بظاهره أيضًا خوف هذا الرجاء خوفًا ثانيًا أن يموت على تلك الحال وأن يكون ذلك هو حقيقة عند الله تعالى، فعلم المؤمن بهذه الأحكام الأربعة ورثه الخوف والرجاء معًا، فاعتدل حاله بذلك لاعتدال إيمانه به، وحكم على الخالق بالظاهر، ووكّل إلى علام الغيوب السرائر، ولم يقطع على عبد بظاهره من الشرّ، بل يرجو له ما بطن عند الله تعالى من الخير، ولم يشهد لنفسه ولا لغيره بظاهر الخير، بل يخاف أن يكون قد استسرّ عند الله تعالى باطن شرّ، إلا أن حال التمام أن يخاف العبد على نفسه ويرجو لغيره لأن ذلك هو وجد المؤمنين من قبل أنهم متعبدون بحسن الظن، فهم يحسنون الظنّ بالناس، ويخرجون لهم المعاذير بسلامة الصدور، وتسليم ما غاب إلى من إليه تصير الأمور، ثم هم في ذلك يسيئون الظنّ بنفوسهم لمعرفتهم بصفاتها، ويوقعون الملاوم عليها ولا يحتجون لها لباطن الإشفاق منهم عليهم، ولخوف التزكية منهم لهم، فمن قلب عليه هذان المعنيان فقد مكر به حتى يحسن الظن بنفسه ويسيء ظنّه بغيره، فيكون خائفًا على الناس، راجيًا لنفسه، عاذرًا لنفسه، محتجًا لها، لائمًا للناس، ذامًّا لهم؛ فهذه أخلاق المنافقين، ثم إن للراجي حالًا من مقامه ولحاله علامة من رجائه، فمن علامة الرجاء عن مشاهدة المرحوّ، دوام المعاملة وحسن التقرب إليه وكثرة التقرب بالنوافل لحسن ظنّه به وجميل أمله منه، وأنه يتقبّل صالح ما أمر به تفضّلًا منه من حيث كرمه، لا من حيث الواجب عليه، ولا الاستحقاق منّا وأنه أيضًا يكفر سئ ما عمله إحسانًا منه ورحمةً من حيث لطفه بنا وعطفه علينا لأخلاقه السنيّة وألطافه الخفيّة لا من حيث اللزوم له بل من حيث حسن الظنّ به، كما قال سفيان الثوري ﵁: من أذنب ذنبًا، فعلم أن الله تعالى قدره عليه ورجا غفرانه غفر الله ﷿ له ذنبه، قال: لأن الله تعالى غيّر قومًا فقال تعالى: (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذي ظًنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) فصلت: ٢٣ وقد قال ﷾ في مثله: (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) الفتح: ١٢ أي هلكى، ففي دليل خطابه ﷿ أنّ من ظنّ حسنًا كان من أهل النجاة، وقد جاء في الأثر: إن من أذنب ذنبًا فأحزنه ذلك غفر له ذنبه وإن لم سيغفر، ومقام الرجاء كسائر مقامات اليقين منها فرض وفضل، فعلى العبد فرض أن يرجو مولاه وخالقه معبوده ورازقه، من حيث كرمه وفضله، لا من حيث نظره إلى صفات نفسه ولؤمه، وقد كان سهل رحمه الله تعالى يقول: من سأل الله ﵎ شيئًا فنظر إلى
1 / 362