قوت القلوب
قوت القلوب
پوهندوی
د. عاصم إبراهيم الكيالي
خپرندوی
دار الكتب العلمية - بيروت
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٢٦ هـ -٢٠٠٥ م
د خپرونکي ځای
لبنان
قوله تعالى: (إنَّ الْمُسْلمِينَ وَالْمُسْلِماتِ والْمُؤمنينَ والْمُؤمِنَاتِ) الأحزاب::٣٥ الآية، وفي حديث عطاء عن ابن عباس ﵄: ما دخل رسول الله ﷺ على الأنصار قال: أمؤمنون أنتم؟ فسكتوا فقال عمر ﵁: نعم يا رسول الله قال: وما علامة إيمانكم؟ قال: نشكر في الرخاء ونصبر على البلاء ونرضى القضاء فقال: مؤمنون: ورب الكعبة، والصبر ينقسم على عملين، أحدهما لا صلاح للدين إلا به، والثاني هو أصل فساد الدين، ثم يتنوع الصبر فيكون صابرًا على الذي فيه صلاح الدين فيكمل به إيمانه ويكون صابرًا عن الذي فيه فساد الدبن فيحسن به يقينه.
روينا في معنى هذا عن عليّ ﵁: أنه لما دخل البصرة واستاقم له الأمر دخل جامعها فجعل يخرج القصّاص ويقول القصص بدعة، فانتهى إلى حلقة شاب يتكلم على جماعة فأستمع إليه فأعجبه كلامه فقال: يا فتى أسألك عن شيئين فإن خرجت منهما تركتك تتكلم على الناس وإلا أخرجتك كما أخرجت أصحابك، فقال: سل يا أمير المؤمنين فقال: أخبرني ما صلاح الدين وما فساده؟ قال: صلاحه الورع وفساده الطمع قال: صدقت تكلم فمثلك يصلح أن يتكلم على الناس، يقال: إن هذا الشاب هو إمامنا في هذا العلم وهو إمام الأئمة الحسن بن يسار مولى الأنصار البصري، وكان ميمون بن مهران يقول: الإيمان والتصديق والمعرفة والصبر واحد، وقال أبو الدرداء ﵁: دروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر، وأعلم أن الورع أول الزهد وهو أول باب من أبواب الآخرة والطمع أوّل الرغبة، وهو باب كبير من أبواب الدنيا، وهو استشعار الطمع من حبّ الدنيا، وحبّ الدنيا رأس كل خطيئة، ويقال: أول معصية عصى الله تعالى بها الطمع، وهو أن آدم ﵇ طمع في الخلود فأكل من الشجرة التي نهى عنها وإبليس طمع في إخراج آدم ﵇ من الجنة فوسوس إليه فاتفقا في إسم المعصية لربهما تعالى بالطمع، ثم افترقا في المطموع فيه وفي الحكم، فتدورك آدم ﵇ بحسن سابقته من الله تعالى وهلك إبليس بما سبق عليه من الشقوة ولاطمع هو تصديق الظن، ولذلك وصف الله تعالى به عدوه في قوله تعالى: (ولقد صدَّق عَلَيْهِمْ إبليسُ ظَنَّهُ) سبأ: ٢٠، والظنّ ضد اليقين ولا يغني من الحق شيئًا، وقال الله تعالى في وصف المشركين: (إنْ نَظُنُّ إلا ّظنًّا وما نَحْنُ يِمُسْتَيْقِنين) الجاثية: ٣٢، فمن صبر عن الطمع في الخلق أخرجه الصبر إلى الورع ومن صبر عن الورع في الدين أدخله الصبر في الزهد ومن طمع في تصديق الظنّ الكاذب أدخله الطمع في حبّ الدنيا، ومن استشعر حبّ الدنيا أخرجه حبها من حقيقة الدين.
وقد قال بعض العلماء: ما كنا نعدّ إيمان من لم يؤذ فيحتمل الأذى ويصبر عليه إيمانًا وقد فعل الله تعالى ذلك بالمؤمنين اختبارًا وأخبر أن ذلك ليس منه عذابًا وإنما هو فتنة لمن أراد فتنته وبلاءه من الناس، فصار ذلك فتنة عليهم وابتلاء لهم وصار رحمة
1 / 327