زكي نجيب محمود
الجيزة في يونيو 1957م
في النقد الأدبي
الشعر وألفاظه
لوليم وردزورث (1770-1850م)(مقدمة الطبعة الثانية لديوان الحكايات الغنائية المنظومة، سنة 1800م)
يعد هذا المقال دستورا للشعراء الرومانسيين (الابتداعيين) كتبه زعيم الشعر الرومانسي في إنجلترا في بداية القرن التاسع عشر، نقدمه إلى الشعراء المحدثين في البلاد العربية لعله أن يوجه ويعين. ***
قد أذعت في القراء قبل اليوم الجزء الأول من هذه الأشعار، وكنت أرجو حين أذعته، أن يكون تجربة أستعين بها بعض العون في أن أستيقن الى أي حد أستطيع - إذا أنا صغت في قوالب العروض صفوة مختارة من كلام الناس كما هو، ما دامت تتوافر فيه قوة الإحساس - أن أتيح تلك اللذة، نوعا ومقدارا، التي يحرص الشاعر صائبا أن يهيئها لقارئه.
ولعلني لم أسرف في تجاوز الدقة حين قدرت ما عساه أن يكون لتلك القصائد من أثر؛ فلقد كنت أتملق نفسي بأن من تقع أشعاري منهم موقع الرضى، سيتلونها في لذة تربي على ما ألفوه من لذة، كما أنني كنت من الناحية الأخرى على يقين أن من تصادف منهم السخط سيقرءونها في كره يجاوز ما عهدوه من كره. ولم تختلف النتيجة عما توقعت إلا في أن رضي عن شعري من الناس عدد أوفر مما رجوت أن أرضي. •••
إن كثيرين من أصدقائي ليتمنون لهذه الأشعار توفيقا؛ إذ يؤمنون أنه لو صدقت بالفعل وجهة النظر التي على أساسها أنشئت هذه القصائد، لنتج ضرب من الشعر يصلح أن يكون للإنسانية متاعا لا ينقطع، دون أن يكون غثا في جودته أو ضحلا في نوازعه الخلقية؛ لهذا ودوا إلي أن أنسق بين يدي ديواني دفاعا عن المذهب الذي نظمت على وفقه هذه الأشعار، ولكني أبيت أن أتصدى لهذا العمل، موقنا أن القارئ حينئذ سيلقي على دفاعي نظرة باردة، متهما إياي أن ما قد حدا بي إلى الدفاع، هو قبل كل شيء أمل أناني أحمق، في أن أغريه بأدلة المنطق بامتداح هذه الأشعار بذاتها، ثم ازددت إعراضا عن العمل حين تبينت أنني إن بسطت رأيي بسطا دقيقا، وسقت الأدلة شاملة، لاقتضى الأمر حيزا أبعد ما يكون صلاحية لمقدمة ديوان؛ فلو أنني عالجت الموضوع بما قد يستدعيه من وضوح واتصال، لوجب أن أستعرض ذوق الناس الراهن في هذا البلد، وأن أقرر مدى سلامة هذا الذوق أو فساده، ولا يتيسر البت في ذلك بغير الإشارة إلى النحو الذي يجري عليه التفاعل بين اللغة وعقل الإنسان، وبغير أن أتعقب ما أصاب منها المجتمع نفسه كذلك؛ لهذا أبيت إباء قاطعا أن أتصدى لمثل هذا الدفاع الشامل المنسوق، ولكني مع ذلك أحس في الأمر شيئا من عدم اللياقة، إن فجأت الجمهور بإقحامي فيهم هذه القصائد التي تختلف أشد اختلاف عن القصائد التي تظفر اليوم باستحسان الناس، دون أن أتقدم إليهم بكلمات قلائل.
لقد تواضع الناس على أنه إذا عمد المؤلف فيما يكتب إلى النظم، فإنه بذلك يقطع على نفسه عهدا أن يرضي للجماعة سننا معلومة جرت عليها؛ فهو لا يقتصر في عهده أن يعد للقارئ بأنه لا بد مصادف في ديوانه طائفة معينة من المعاني وطرائق التعبير، بل يعده كذلك أنه كان حريصا أن يتجنب ما عدا تلك الطائفة من معان وألفاظ. ولا بد أن يكون هذا الأساس المفروض أو هذا المثال المحتوم، الذي يلزم أن يكون للشعر لغة خاصة، قد اختلف عند الناس معناه باختلاف عصور الأدب، فأراد الناس بلغة الشعر في عهد «كاتولوس
ناپیژندل شوی مخ