هذا جميل جد جميل، لكني لم يسعني سوى أن أسأل سؤالين؛ الأول أن هذا الكلام الذي راح يقوله، لا يمكن أن يستغني تحصيله عن دراسة، فلماذا إذن خدعني منذ حين قصير وأوهمني بأنني فيلسوف ما دمت إنسانا؟ والسؤال الثاني هو: ما علاقة هذا الكلام الذي أثبته بعالم الفلسفة؟ إنه دين وفي صميم الدراسات الدينية. أيكون هؤلاء الفلاسفة جماعة بغير عمل فراحوا يتطفلون على كل شجرة يقطفون منها زهرة؟ فالموجة الأولى والموجة الثانية من موجات الفكر الإسلامي، يلخصهما المؤلف بعد تفصيل الكلام فيهما، فيقول: «والخلاصة أنه بعد موت النبي ظهرت موجتان قويتان تهتم الأولى بالكفر والإيمان، والثانية تتجه نحو الإمامة ...»
ولست أدري ما الذي يبرر للفيلسوف أن يحتضن الحديث في الكفر والإيمان والإمامة فيجعلها فلسفة؟! •••
وفي الكتاب جزء ثالث عن الفلسفة الحديثة، وكنت أريد أن أعرض لبعض ما جاء في الجزأين الثاني والثالث من آراء بعد أن أتخلى عن شخصية المهندس المستعارة وأعود إلى نفسي، لكني آثرت أن أختم كلمتي بصيحة أبعثها من أعمق أعماق نفسي إلى كل من يشتغلون بالفلسفة - وأنا واحد منهم - فإما أن تكون لنا مادة محدودة القسمات معروفة الملامح، وإما أن نصارح العالم بأننا فئة من الناس لا خير فيها، تعيش كلا على غيرها؛ حرام أن تضيع الأعمار في كلام يستحيل بطبعه أن يؤدي إلى معرفة صحيحة بالعالم الذي نعيش فيه.
إنني أومن إيمانا قويا بأن كل عبارة يقولها قائل، زاعما أنه يريد بها أن يصف جانبا من جوانب العالم، وكل سؤال يلقيه إنسان على نفسه أو على غيره، يريد الجواب عنه جوابا يفيده شيئا، هو من عمل العالم واختصاصه. إن التفكير المنتج كائنا ما كان ميدانه الذي يتحرك فيه، يتحتم عليه حتما لا مفر منه أن يتبع مناهج العلماء في بحثهم، وأن يتعرض لطرائق العلماء في التحقيق والإثبات. إن أضحوكة الأضاحيك في هذا العالم أن يجلس إنسان على كرسيه ويرسل القول إرسالا في الحديث عن الطبيعة أو عن الإنسان، فإذا ما طولب بالأدلة «المادية المحسوسة» اعتذر عن ذلك بأنه فيلسوف!
للفلسفة مجال واحد ليس لها سواه، وهو تحليل الألفاظ والعبارات تحليلا منطقيا، لتميز ما يمكن قبوله من أصناف القول وما لا يمكن. وإن سقراط ليضرب لنا أروع مثال لما ينبغي أن يصنعه الفيلسوف.
سنقول: ماذا نصنع بهذه الأكداس من الفلسفة، التي تضع لنا مذاهب وآراء في هذا وفي ذاك؟ وسأجيب بما أجاب به «هيوم» غير هياب ولا وجل: ألقوا بها في النار! (تمت والحمد لله.)
ناپیژندل شوی مخ