فصاحت بجنون: هذا أجمل ما سمعت منك.
وطلق صادق زوجه الثانية قبيل حريق القاهرة بأيام، وقد غرم لذلك غرامة لا يستهان بها، ففازت بالأثاث ونفقة المتعة والنفقة المعتادة، ولكنه قال متعزيا: راحة البال أهم.
ولكنه أدرك في الوقت نفسه أنه رجع إلى عهد الحرمان، وإلى جانب ذلك لم تخل حياته من بوارق سعادة، فقد تخرج إبراهيم وبعده صبري في كلية الحقوق، والتحق إبراهيم بوظيفة في بنك مصر بعد امتحان أعلن عنه وبسعي أيضا من رأفت باشا الزين. أما صبري فقد قبض عليه فيمن قبض عليهم من الإخوان، وأكد لنا صادق أن ابنه لم ينضم للجماعة ولكنه بدافع من تدينه تبرع لبناء جامع فعثر على اسمه في كشف المتبرعين وعد من الإخوان، ورغم أنه أهين وضرب ولكنه أفرج عنه، ووقفت فترة الاعتقال عثرة في سبيل توظيفه ولو إلى حين. وثمة مفاجأة سارة سعدنا بها جميعا لا أسرة صادق وحدها، فقد صارح إبراهيم أباه برغبته في الزواج من درية كريمة صديقه طاهر، وسعد صادق بالخبر سعادة كادت تنسيه همومه ولو إلى حين، وضمن له موافقة الأب على الأقل، وعند ذاك قال له إبراهيم: أنا ودرية متفقان تماما.
فأخذ صادق وتمتم: لقد جاوزت حدودك يا إبراهيم.
فتساءل إبراهيم بدهشة: لماذا يا بابا؟
وصمت صادق طاويا صدره على تقاليده، وجاءنا مساء منبسط الأسارير على غير عادته في الأيام الأخيرة، ونظر إلى طاهر عبيد بعينين باسمتين وقال: يا حضرة الشاعر، محسوبك يطلب القرب منك.
وهزنا الخبر هزة لطيفة ذكرتنا بمرور الأيام، ولكن بأكبر قدر من الرفق وأقل قدر من الأسى، أما طاهر فضحك عاليا وقال: لي الشرف يا معلم صادق، من زمن وأنا أتوقع هذا الطلب، ولكنك آخر من يعلم.
وعلت قهقهة فغطت على قرقرة النراجيل، والحق أن درية بنت ممتازة وقد استهواها فن الرسم فدخلت مدرسة الفنون الجميلة رغم تفوقها في العلوم والرياضة، ورغم اعتراض مامتها. ولما أتمت دراستها ألحقها والدها بعمل في مجلة الفكر، وهي تماثل إبراهيم في رفضه الواقع مع شيء من الميل إلى فلسفة اليسار، ولكن غرامها بفنها فاق كل شيء، وقال حمادة: من حقك أن تفرح وسط أحزانك يا رجل يا طيب، وعليك أن تتزوج أيضا فمثلك لا يطيق حياة العزوبية.
فقال صادق: بل يجب أن أطمئن أولا على صبري.
وصبري كان يسترد أنفاسه عقب محنته القاسية في الاعتقال، ولما سد في وجهه باب الوظائف اقترح إسماعيل قدري على أبيه أن يعمل معه في مكتب المحاماة، ولكن صادق حسن لابنه أن يفتح له فرعا في شارع عشرة، تمهيدا ليحل محله بعد ذلك في تجارته، وحتى لا تصفى التجارة الناجحة بوفاته أو بتقاعده. وقرر صبري أن يجرب نفسه في المشروع الجديد، وفتح له والده الدكان في شارع عشرة عند نهايته المطلة على ميدان العباسية، ثم احتفل صادق بدخلة إبراهيم ودرية بعد أن خصص لهما شقة في عمارته الجديدة بشارع حسن عيد أمام مسكن إسماعيل قدري، واستأجر طاهر شقة أخرى في نفس العمارة له ولرئيفة وفرشها بأثاث جديد يناسب حالته الجديدة.
ناپیژندل شوی مخ