وأدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يلوح في ذلك الأفق وما يمكن أن تسببه عقدة الزعامة من اضطراب في المستقبل المنظور؛ لاسيما وأن المجتمع الجديد بعد توسعة إثر فتح مكة لم ينصهر تماما في بوتقة الدعوة الإسلامية، فالنزاعات القبلية والأسرية لا تزال شبحا يصيب المجتمع بزخات ساخنة من التوتر والاضطراب، إضافة إلى أن الفترة التي قضاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تجديد المجتمع لم تتجاوز عشر سنوات فلم تكن كافية لتغييب واقع استمر أكثر من (ألفي عام)، وهي المدة التي حظي بنو إسماعيل فيها بمكانة دينية بين العرب، أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فاتخذ سلسلة من الإجراءات الوقائية، مثل:
* التأكيد على أن الزعامة مسئولية وتكليف لا أبهة وتشريف.
* الحظر التام لكل أشكال الطغيان والاستبداد.
* التحذير من المساس بحقوق الإنسان والتسلط عليه.
* ربط استحقاق أي زعامة بالكفاءة فيها والقدرة عليها.
* العمل على تطبيق حكم الله والانقياد لمن يقوم بذلك كائنا من كان
وهذا ما فهمه المسلمون فكان أحدهم إذا تولى أمر خافه قال للناس: أطيعوني ما أطعت الله تعالى.
ومن اللافت للنظر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكتم تخوفه من تجاوز متوقع على حق الأنصار، فبادر إلى تعزيز مكانتهم بالثناء عليهم، وكان مما قال: «لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار»(1). وقال: «لو سلكت الأنصار واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم»(2). وأوصى بهم فقال: « أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم»(3).
مخ ۱۴