140

قصص من التاريخ

قصص من التاريخ

خپرندوی

دار المنارة للنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

العاشرة

د چاپ کال

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٧ م

د خپرونکي ځای

جدة - المملكة العربية السعودية

ژانرونه

الأمة حقها من التضحية والبذل. ولقد كان هؤلاء المجاهدون جِنًا في النهار ورهبانًا في الليل، وكانوا مثالًا للشرف والفضيلة والإخلاص. ومضى الهزيع الأول كله، ونام المجاهدون ولم يبقَ ساهرًا إلا الحراس يجيئون ويذهبون من حول المعسكر، ورجل آخر أصابه الأرق فبقي مسهدًا يحس كأن يدًا خفية تهز قلبه، فيخفق ويشتد خفقانه، وتحمله على الرجوع إلى سالفات أيامه، فإذا هو يذكر عالمًا بعيدًا متواريًا في ظلام ثلاثين سنة، فلا يطيق البقاء في خيمته فيخرج إلى العراء، فيجد الليل ساكنًا موحشًا لا يسمع فيه إلا نداء الحراس وأصوات الوحوش التي تزدحم على الجثث التي تغص بها ساحة القتال، فيبتعد عنها وينأى عن المعسكر فلا يعترضه أحد لأن الجيش كله يعرفه، بل لعله أقدم جندي فيه، لم يفارقه منذ سبع وعشرين سنة يتنقل فيها من ميدان إلى ميدان. ومضى يمشي وحيدًا حتى صار في الوادي، فجعل يجول فيه حتى بلغ قرارته. وكان يجري في الوادي جدول ماء له خرير وزئير، يبدو في الليل مرعبًا مخيفًا، فتركه وتسلق الجبل حتى بلغ قُنّته فأشرف منها على الفضاء الواسع. وكان الفجر قد دنا فسرت خيوط ضعيفة من النور حيال المشرق، ولكنه أعرض عنها وولى وجهه تلقاء الأفق الغربي المظلم. فطفق يحدق فيه، ويحس كأنه ينشق منه أريجًا يحيي نفسه وينعشها. وجعل يحس بأن قلبه يرق رقة شديدة، ونفسه تسمو، وأن خيالات الحب تلوح لعينيه من وراء الأفق البعيد غائبة في ظلمتين؛ ظلمة الليل الذي لم ينحسر بعد، وظلمة الماضي البعيد. فجعل يتأملها، فيبصر وجه سهيلة وقد

1 / 146