ودقت البشائر، واضطرب بطن اليم، وانشق الماء عن طريق رحب يتهادى فيه موكب الآلهة إلى قصر نريوس في أعماق المحيط، ووقفت الأوسيانيد والنيرييد وسائر عرائس الماء صفوفا صفوفا تحيي الضيوف الأعزاء الأوداء الأحباء، وتغني وتنشد وترسل ألحانها الخالدة موقعة على الموسيقى المشجية.
وانبرى أبوللو يوقع على قيثارته الذهبية. أبوللو الذي اشترك في بناء أسوار طروادة، فلم يكن يصنع شيئا أكثر من أن يلعب بأنامله على أوتار القيثارة، فتقفز الحجارة مترنحة من الطرب إلى مكانها من الأسوار!
وانطلقت ديانا ترقص، فما علم أحد من الآلهة أخطرات نسيم تهبط من القمر الفضي وتعلو في السماء، أم ديانا الهيفاء ترقص في القلوب والأحشاء؟!
ونهض الجميع إلى المقصف الفاخر الذي تفننت في تنويع آكاله وأشرباته أيد إلهية ماهرة، فأكلوا ما لذ، وشربوا ما طاب، وأخذوا في سمر جميل. وكان هرمز يرسل نكاته الطريفة فيقرقع المكان الحاشد بالضحك، وتدوي الأكف بالتصفيق!
وبينما الآلهة في قصفهم لا يفكر أحدهم إلا في هناء العروسين، إذا بالربة الخصيم أيريس
3
تظهر فجأة في وسط الجماعة، ثم تشرع تقلب فيهم عينين تقدحان بالشرر، وتنفثان سم البغض وعلى رأسها الفاحم الأسود تتلوى خصل ثعبانية شائهة ذات فحيح وصلصلة، وعلى صدغيها الأبرصين يخشخش عقربان منكران، لكل منهما ذنابى يقطر الموت الأسود منها ها هنا وها هنا.
ظهرت إيريس غضبى محنقة؛ لأن القائمين بالدعوة إلى العرس أغفلوها فلم يرسلوا إليها بالدعوة التي أرسلت إلى الأرباب جميعا. وهم قد قصدوا إلى ذلك عن عمد؛ لأنهم خشوا على العروسين من أذاها الذي ما تفتأ تثيره في كل مكان وطئته قدماها، أليست هي ربة الخصام النافخة في نار العداوة التي تتضرم منذ الأزل في الجوانح والقلوب ؟
لكنها لم تنس لهم هذا الإهمال، بل أقبلت وهي تتميز من الغيظ لتقلب هذا العرس الكريم إلى مأتم أليم.
ولقد أوجس الآلهة جميعا خيفة حين رأوا إليها تقلب فيهم ناظريها المشتعلين، غير أنهم اطمأنوا قليلا حين رأوها تنصرف بعد إذ ألقت على الخوان الفخم تفاحة كبيرة من الذهب، نقشت عليها هذه الكلمة المقتضبة: «للأجمل!»
ناپیژندل شوی مخ