قال: ليس شيء في الدنيا أنسب لي من وجودك؛ لأنك ستسد لي ثغرة الزوج، لكي أعيش أنا الساعة أو الساعتين مع سميرة، إنه رجل طيب.
ووصلنا حيث وجدنا سميرة وزوجها مختارا قد سبقانا إلى هناك.
ولم يكن حتى تلك اللحظة يعرف اسمي، فأسعفته به، قائلا: فوزي الراوي. وحيينا وجلسنا، وقدمني الأحدب لهما، ولبثت الوجوه الأربعة مبتسمة في توتر، والعيون ناظرة إلى فراغ؛ لأنها شاردة كأنها تجتنب اللقاء وتبادل النظرات الكاشفة عن دخائل النفوس.
وكنت أنا بينهم وحيدا في بعدي عن المشكلات العاطفية القديمة، فمن لمحة واحدة عرفت أن سميرة والأحدب ما يزالان ينظران بأعين مترعة بالعشق المحروم الظمآن، وأن مختارا يساوره القلق الخفيف مما يراه بينهما من خيوط تخفى عن العين ولكنها ظاهرة ظهورا واضحا أمام بصيرته، ولعلها كانت ظهرت منذ الزيارة الأولى التي قام بها رياض عطا للعروسين بعد زواجهما بقليل، ومضت أعوام كانت كفيلة أن تحيل الديار العامرة طلولا خربة، لكنها لم تمح ما بين هذين القلبين، وكدت أقول بين هذين الجسدين؛ لأنني أحسست جسديهما يتجاذبان؛ ففي كل جسد منهما ميل خفيف نحو الآخر، وإذن فقد كنت وحدي بينهم قادرا على فتح الحديث بأعصاب هادئة، وقلت: أنبأني الأستاذ رياض ونحن في الطريق إليكم أنكم قد التقيتم بعد غياب طويل.
فقالت سميرة ناظرة إلى الأحدب (والعجيب هنا هو أن الحدب كاد عندئذ يختفي إلى حيث لا أدري؛ فقد خيل إلي أنني أنظر إلى ظهر مستقيم كسائر الظهور) قالت: نعم. كان آخر عهدنا به ونحن عروسان.
ثم انتقل الحديث بيننا جميعا إلى أمور عابرة توحي بها الأحداث الدائرة حولنا، وجاءت لحظة صمت، فهممنا بالانصراف، ولما أن انفردنا أنا والأحدب على طريق العودة، وقلت له: لقد كان هذا اللقاء صفحة من ماضيك، لكنها صفحة وضعت في يدي مفتاحا هاما.
قال الأحدب في ضيق: أي مفتاح؟
أجبته: لقد رسمت لك سميرة في مراهقتك صورة المرأة، وتغيرت ثقافتك ولم تتغير الصورة، فنتج ما نتج عندك من صراع بين ما تقتضيه ثقافة الرجل العصري في بناء أسرته، وما اقتضته الصورة التي رسخت في نفسك منذ أول الشباب؛ فأنت إلى يومك هذا لا تدري أي الثقافتين تطيع وأيهما تعصي؟
الفصل السادس
الكاتب الظل
ناپیژندل شوی مخ