لا بد لي الورود من ذا الوادي
وأروي فؤادي ظاميا وصادي
وأنصرف عنك بلا عنادي
قال الراوي: فرق له قلب العفريت وقال له: انزل واشرب، فما رأيت أقوى من قلبك. فنزل المقداد عن جواده واقتحم البئر وشرب حتى اكتفى هو وجواده، وسار يجد السير ليلا ونهارا حتى أتعب نفسه، قال: ولم يزل المقداد سائرا حتى أشرف على أرض القادسية وهي من أعمال كسرى.
فلما نظر المقداد إلى تلك الأرض المخصبة والوديان نزل عن جواده وأخذ من التراب ووضعه على رأسه وقال: من التراب خلقنا وإليه نعود. ثم إن المقداد قام يقطع الطريق ويخيف السبيل على الشارد والوارد، فأقام أياما وإذا بقافلة محملة من متاع مصر وتحف الشام وخلفها ثلاثمائة فارس.
فلما نظر المقداد شد على جواده وتلقاهم كما يتلقى الصديق لصديقه، هانت عليه روحه وعلم أن الأجل الذي ضربه عليه عمه قرب ولم يملك شيئا، فصاح بهم صيحة عظيمة ودبت منها الجمال، وقال لهم: أيتها الشرذمة القليلة والعصبة الحقيرة، خلوا ما معكم وانجوا بأنفسكم سالمين قبل أن تحل بكم المنية وأطرحكم في هذه البرية. فصاح عليه فارس منهم وحمل على المقداد وحمل المقداد عليه وتلقاه بقلب أقوى من الصخر وأجرى من البحر، وغاص في أوساطهم وخرج من أعراضهم وجعل يرمي فارسا وبطلا بعد بطل حتى قتل أبطالهم وما وصلت إليه طعنة ولا ضربة، وقد قتل منهم فارس وانهزم الباقون من بين يديه كالأنعام الجافلة، فأخذ الجمال وما عليها من الأحمال، وحكم فيها رعاة يرعونها، ثم رحل من ذلك المكان حتى اتصل بنواحي المدائن.
فأقام يقطع على الشارد والوارد وما بقي أخذ يذهب ويجيء وقد قطع طريق القوافل.
قال: فوصل خبره إلى الملك كسرى، فدعا أبطال عسكره وأمرهم أن يركبوا في مائة فارس ليوث عوابس، وقال لهم: ائتوني بهذا الأعرابي أسيرا ذليلا ولكم عندي أوفر العطاء. فعند ذلك ركب الفرسان خيولهم مجدين السير حتى وصلوا إلى المقداد.
فلما نظر إليهم ركب جواده والتقى بهم وصاح عليهم صيحة عظيمة تزلزلت منها الجبال وقال لهم: قفوا مكانكم. ثم حمل عليهم وغاص في أوساطهم وجعل ينكس فارسا بعد فارس حتى قتل منهم ثمانين فارسا، وانهزموا من بين يديه ودخلوا على الملك كسرى وهم في أنحس حال وأسوأ بال، ينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور، فقال لهم: ما وراءكم؟ قالوا: وراءنا ليث كرار وفارس مغوار، وقد قتل أبطالنا وأباد رجالنا، ولو لم ننهزم من بين يديه وإلا كان قد قتلنا عن آخرنا.
فلما سمع الملك كسرى منهم هذا الكلام عظم عليه وكبر لديه، ثم إنه دعا بأربعمائة فارس ليوث عوابس، قال لهم: دونكم هذا الأعرابي قطعوه بأشفار الصفاح، وبضعوه بأطراف الرماح، فعند ذلك ركبوا خيولهم واعتدوا بعدتهم وساروا طالبين المقداد.
ناپیژندل شوی مخ