إن عدم الاستقرار في مكان واحد مددا طويلة، أدى إلى تغيرات مستمرة في العقائد والعبادات، التي أخذت تصطبغ مع كل ارتحال بألوان متعددة، فجاءت ديانتهم بعد جمعها مزيجا متنافرا من الألوان عديمة الاتساق والتمازج، مما أدى بباحث متحيز لليهود مثل «إيفارلسنر» إلى القول عما خرج به من دراسة الكتاب المقدس: «إن تابوت العهد
7
يعود بنا إلى مساكن آلهة النيل المتنقلة، وآثار السحر ترجع بنا إلى مصر كما تذكرنا قصة الطوفان والأرقام الغامضة ببابل، ويصير الإله البابلي جلجامش نمرودا، وتصبح ثيران آشور المجنحة كروبيم العبريين، كما أن أسطورة الجنة وشخصية الشيطان أهريمان، وعالم الملائكة ورؤساء الملائكة تعيد إلى أذهاننا بلاد الفرس، ونتعرف على البعل إله الفينيقيين والكنعانيين في أسماء إشبعل ومربعل. لقد كان الفلسطينيون الذين يحتمل أن يكونوا قد وفدوا أصلا من كريت، ينظرون إلى اليمامة أصلا كإله، أما السمكة التي عبدت في عسقلان فتظهر في قصة يونان.»
8
تاريخ اليهود في التوراة
تزعم التوراة أن اليهود هم نسل اثني عشر ولدا هم الأسباط، أبناء النبي «يعقوب» المسمى «إسرائيل»، ومن هنا سموا «بني إسرائيل»، وحتى تجعل التوراة من هذا النسل خلاصة البشرية، ومدار حديثها المقدس فإنها تجري تصفيات عجيبة بين الشعوب سنلاحظها مع خطونا داخل التوراة.
تبدأ التوراة تاريخ اليهود بالعودة إلى بداية الإنسانية لإنسانيتها على الأرض، فتحكي لنا رواية تقول: إن الله خلق زوجين من البشر، ووضعهما في مكان أطلقت عليه «جنة عدن»، وإن هذا المكان كان على هذه الأرض ذاتها، لكن الزوجين البشريين ارتكبا خطيئة عظمى، عندما عصيا أوامر الإله في أمر هائل؟ فقد أكلا من ثمرة شجرة حرمها عليهما! فثارت ثائرة الإله، وطردهما من هذا المكان إلى مكان آخر على الأرض، شرقي عدن. وأنجب الزوجان البشريان الأوائل، اثنين من الذكور هما هابيل الذي اشتغل بالرعي، وقايين الذي عمل في الأرض فلاحا (ويبدو أن ذلك تسجيل قديم لبداية التخصيص في العمل، وفق ظروف البيئة، والصراع الذي نشأ بين هذين النظامين)، وقام الأخوان يقدمان للإله القرابين لإرضائه، فقدم هابيل من لحم غنمه، وقدم قايين من زرع أرضه. وكما فيما بعد، فإن الإله كان على ما يبدو من اللواحم، فقبل قربان هابيل، ورفض قربان قايين (والتحيز هنا واضح للبداوة والنظام الرعوي، ولنتذكر أن اليهود بدو رعاة)، مما أوغر صدر قايين الفلاح، على أخيه الراعي، فقتله، ثم يختفي ذكر قايين من التوراة، ليظهر ابن ثالث لأبي البشرية المدعو آدم، هو «شيث» (وهكذا كان واضحا، ومن شيث تناسلت البشرية وتكاثرت على الأرض. وأن دور هابيل وقايين لم يكن له أي علاقة بالتكوين، بعد أن مات هابيل وتبعه قايين وجاءت البشرية من أخ ثالث هو شيث؛ وهو ما يؤكد أن قصتهما إن هي إلا تسجيل بدئي وتفريق بين نظامين، أقربهما إلى الإله هو الرعوي).
ومرة أخرى يعصي النسل البشري ربه، فيقرر الرب إفناء مخلوقاته العاصية دوما، بالطوفان، ورغم تأكيد التوراة المتواتر على ندم الإله المستمر لخلقه البشر، فإنه مع ذلك، يضمر بينه وبين نفسه الإبقاء على بذرة الحياة، فيختار من بين نسل «شيث» فردا واحدا هو «نوح»، ويخبره بقرار الدمار الذي انتواه، ويأمره أن يصنع ويجمع فيه من كل الأحياء، وأن يأخذ أبناءه معه، وتستمر القصة فتعلمنا بتفجر الأرض بالعيون، وتفتح أبواب السماء بماء منهمر، مما أدى إلى طوفان عات، حمل السفينة النوحية بركابها، الذين تم اختيارهم عشوائيا، بينما فني كل حي آخر على البسيطة، وانتهى الأمر بالسفينة بعد هدوء الغضب الإلهي، إلى التوقف فوق جبل «أرارات»، قرب بحيرة «فان»، إلى الشمال من بلاد الرافدين، داخل بلاد أرمينيا.
ثم تأخذ التوراة طريقها في تمييز النسل اليهودي المرتقب، كسيد للبشرية وشعب خاص من بين الشعوب الأخرى، فتقول:
وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك: ساما، وحاما ويافث، وحام هو أبو كنعان، وهؤلاء الثلاثة هم أبناء نوح، ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض. (تكوين 9: 14-15)
ناپیژندل شوی مخ