تأسيس
إذن استطاع الساميون المهاجرون، أن يصبحوا أصحاب السيادة في كافة بقاع الهلال الخصيب (بلاد الرافدين؛ سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن)، حتى لم نسمع شيئا عمن سبقهم هناك، لكنهم فيما يزعم الباحثون ولنا تحفظنا كانوا أول أمرهم عالة على ثقافات أصحاب المنطقة الأصليين، ثم تمثلوا هذه الثقافات، وعبدوا أربابها، ومارسوا نظمها وعاداتها وتقاليدها، وأحيانا مزجوا بين ما حملوه من لغة وثقافة في بيئاتهم الأصلية، وبين الجديد في المواطن الجديدة. والباحثون يؤكدون أن أهم ثقافة أثرت في هؤلاء المهاجرين الوافدين هي الثقافة السومرية، التي حفظت داخل التراث الديني السامي بعد ذلك، الذي تبلور نهائيا في الثقافة اليهودية، التي تضمها دفتا الكتاب المقدس (التوراة).
وقد أشرنا مسبقا إلى أن أول الموجات من هذه الهجرات المتدفقة كونت دولة في الرافدين، هي موجة القبائل الأكادية، التي بدأت بالاستقرار على حدود الدويلات السومرية، ثم تسللت إلى الداخل تدريجيا، وأخذ أفرادها يتقاطرون داخل المدن السومرية، ليعيشوا أول الأمر كمواطنين وافدين من الدرجة الثانية، وفي ظروف غير معروفة تمكنوا من الإمساك بزمام الأمور، بعد أن استطاع أحد أفذاذهم أن يصل في مدارج نجاحه الوظيفي، إلى رتبة ساقي القصر الملكي في مدينة «كيش»، ثم وثب على العرش، ليعرفه التاريخ باسم الملك «شاروكين
SHARUKEN » أي الملك الشرعي أو الصادق، وعرفته تواترات التاريخ باسم «سرجون الأول»، الذي تعصب لبني جلدته الساميين، وبالاعتماد عليهم تمكن من أن يجعل نفسه ملكا مطلق النفوذ وأن يوحد دويلات سومر في دولة واحدة، هي الدولة الأكادية، التي استمرت ما يقرب من مائتي عام (2340-2180ق.م.) التي كانت أول المراكز القومية المركزية في تاريخ الرافدين.
و«سرجون» هو صاحب أول قصة عن الإلقاء في اليم، فكتب عن نفسه سيرة كثيرا ما ترددت بعد ذلك في سير أبطال الملاحم الشعبية، فقد ولدته أمه خفية وخيفة لأسباب غير موضحة، ووضعته في سلة من البوص أحكمت غطاءها بالقار وألقت به في الفرات، فاحتمله الماء، حتى انتشله فلاح اتخذه ولدا وعلمه الفلاحة، وكان كل ذلك تقديرا ربانيا حيث تدخلت العناية الإلهية في النهاية بشكل مباشر وسافر من أجل البطل الموعود، فشملته الإلهة «عشتار
ESHTAR » برعايتها ثم بوأته ملوكية البلاد.
1
وبانهيار الدولة الأكادية استعاد السومريون قدراتهم وأقاموا لهم دولة موحدة (العصر السومري الثاني)، انتهت بدفقة سامية أخرى من القبائل العمورية (أو الأمورية أو الحمورية)، الذين أسسوا دولة بابل الأولى (1880-1595ق.م.) وكان أشهر ملوكها «حمورابي» صاحب القوانين المشهورة (حوالي 1728ق.م.).
ويتمسك الباحثون برأيهم في أن الثقافة السومرية استمرت تفعل فعلها بعد أن دخلت كنسيج أساسي في ثقافة الساميين الذين استوطنوا البلاد، وتسربت إلى كافة الثقافات السامية في جميع مواضع الهلال الخصيب. ويعلل «كريمر» ذلك بقوله:
وجدت جميع شعوب آسيا تقريبا، كالأكديين والآشوريين والبابليين والحيثيين والكنعانيين والعيلاميين ... أن من مصلحتها استعارة الخط المسماري، لغرض تدوين سجلاتهم وكتاباتهم الخاصة ... كانا يتطلبان تدريبا شاملا في اللغة والأدب السومريين؛ ولتحقيق هذا الهدف كان المعلمون والكتاب من ذوي المعرفة، يستوردون بلا شك من الأقطار المجاورة بينما كان الكتبة المحليون يشدون الرحال إلى بلاد سومر، للحصول على تعليم خاص في مدارسها ذات الشهرة الكبيرة، وكانت النتيجة انتشارا واسعا لبذور الحضارة والأدب السومريين، إن أفكار السومريين ومثلهم، كأفكارهم في الكون واللاهوت والأخلاق ونظام التعليم، تغلغلت إلى درجة كبيرة أو قليلة في أفكار وكتابات جميع شعوب الشرق القديم ...
ناپیژندل شوی مخ