13
العالم النباتي، فإنه سافر إلى كل بقاع الشرق للبحث عن العقاقير الطبية، وألف في ذلك كتابا جامعا، وكان الفيلسوف ابن رشد
14
الحلقة الأولى في السلسلة التي وصلت فلسفة قدامى اليونان بفلسفة أوربا في العصور الوسطى، وكانت علوم الفلك، والجغرافيا، والكيمياء، والتاريخ الطبيعي تدرس بمثابرة وجد بقرطبة.
أما الأدب العربي فإن أوربا لم تر في عهد من عهودها حفاوة بالأدب وأهله كما رأت في الأندلس حين كان الناس من كل طبقة ينظمون الشعر، ويظن أن هذا الشعر هو الذي أوحى للشعراء المغنين بإسبانيا بأناشيدهم القصصية وأغانيهم، وهو الذي حاكاه شعراء «بروفانس» و«إيطاليا ».
ولم تكن تعد الخطبة أو الرسالة كاملة إلا إذا تضمنت أبياتا ترتجل أو تختار من مأثور الشعر الرصين، ويظهر أن العالم الإسلامي اتجه بروحانيته إلى آلهة الفنون، فمن الخليفة في عرشه إلى النوتي في سفينته، كنت تسمع النظم الفائق في مشاهد الأندلس وجمال مدنها، ثم في روعة خرير الأنهار وسحر الليل الساجي وقد هدأت فيه النجوم، ثم في نشوة الحب والخمر ومجتمع الأنس وقد اختلس المحب ساعة لقاء بفاتنته التي ترمي بقوس حاجبها القلوب.
15
وقد بلغت الأندلس الغاية في الفنون فبناء مدينة كالزهراء أو مسجد كالمسجد الجامع، ما كان ليتم على هذا الوضع الرائع إلا إذا بلغ العمال قمة المهارة في صناعاتهم، وكانت صناعة الحرير من الصناعات الممتازة بالأندلس، فقد قيل إن عدد النساجين بلغ في قرطبة وحدها مائة وثلاثين ألفا.
واشتهرت المرية بمنسوجاتها الحريرية وبسطها، ووصلت الفخارة في الإتقان حدا عجيبا، فقد انتهى الفن بالصناع بجزيرة ميورقة إلى أن أبرزوا أواني فخارية تلمع ببريق معدني، ومنها استعارت إيطاليا اسم أوانيها التي دعتها بالميورقية، وكانت تصنع الأواني النحاسية والحديدية والزجاجية المزججة والمذهبة بالمرية، ولا يزال لدينا بعض نماذج من العاج المحفور وقد كتب عليها أسماء عظماء قرطبة.
نعم، إن هذه الفنون نقلت من الشرق بغير شك، ولكن صناع الأندلس كانوا تلاميذ نجباء لأساتذتهم من البيزنطيين، والفرس، والمصريين، فوصلوا إلى درجة النبوغ في صناعة الحلي، وبقي من ذلك إلى اليوم أثر عجيب من آثار ابن الخليفة العظيم، لا يزال يحفظه الإسبان فوق المذبح الأعلى لكنيسة قرطبة، وهو علبة ملبسة بالفضة، مرصعة بالدر، وقد كتب عليها بالعربية دعاء وتمجيد لأمير المؤمنين الحكم المستنصر بالله، وهو دعاء يعد غريبا فوق مذبح للمسيحية.
ناپیژندل شوی مخ