وأسطع الأدلة على رضا المسيحيين عن حكامهم الجدد أن ثورة دينية واحدة لم تحدث في خلال القرن الثامن.
أما فرح العبيد بما طرأ على نظام الحكم من التغير فقد كان عظيما حقا بعد أن لاقوا من ضروب العسف والقسوة من القوط والرومان ما تقشعر له الأبدان، فإن الرق في رأي المسلمين الأخيار نظام إنساني رفيق، حتى إن النبي
صلى الله عليه وسلم
حينما لم يجد بدا من الإبقاء على هذا النظام العتيق الذي يعارض مبادئ الإسلام بذل كل جهد في تخفيف ويلاته في كثير من الوصايا والأحاديث، فهو يقول في الأرقاء: «إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإذا كلفتوهم فأعينوهم.» وعن أبي مسعود الأنصاري قال : «كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا يقول: اعلم أبا مسعود: لله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار.»
ولم يكن بين القرب التي يتقرب بها المسلمون إلى الله أجل من إعتاق العبيد، وكثيرا ما حض النبي على تحريرهم، وقد جعل الإسلام إعتاقهم كفارة لبعض ما يجترح من الذنوب.
سعد العبيد بدخول العرب، وأصبحوا في رق المسلمين بمنزلة صغار الزراع، فتركهم سادتهم أحرارا يزرعون الأرض كما يشاءون على أن يؤدوا إليهم نصيبا من الغلة؛ لأنهم كانوا مشتغلين بالحروب، ولأنهم كانوا بطبيعتهم يأنفون من أعمال الفلاحة، أما عبيد المسيحيين الذين ظلوا يائسين من التخلص من الرق طول حياتهم، فقد مهد أمامهم اليوم طريق إلى الحرية من أسهل الطرق وأهونها، فليس عليهم إلا أن يذهبوا إلى أقرب محتسب أو قاض وينطقوا أمامه بالشهادتين، فيصبحوا في التو أحرارا فإن الحرية تتبع الإسلام، فليس عجيبا إذا أن نجد العبيد الإسبانيين مسرعين إلى إعلان دينهم الجديد ليتخلصوا من ربقة العبودية، ولم يبذل القساوسة في الماضي إلا جهدا ضئيلا لغرس المسيحية في قلوب هؤلاء الأرقاء، فقد كان لديهم من العمل والإشراف على ضيعاتهم ثم من العناية الدينية بالنبلاء ما صرفهم عن الاهتمام بهؤلاء الجهلاء، ثم إن الانتقال من مزيج الوثنية والمسيحية إلى إدراك ضعيف للإسلام لم يكن صدمة شديدة للعقل المقلد.
ولم يكن العبيد وحدهم هم الذين تسابقوا إلى الدين الجديد؛ فقد أسلم كثير من كبار الملاك والسراة؛ إما للفرار من الجزية، وإما للمحافظة على ضياعهم، وإما لأن نفوسهم مالت مخلصة إلى الإسلام وأحبت ما في التوحيد من جلال ويسر، وكان هؤلاء الداخلون في الإسلام أو المتسلمون
4
ناپیژندل شوی مخ