قال أبو الفتح: قوله كثرة قلة، يقول: إنما تكثر الأموات إذا قل الأحياء، فكثرتهم كأنها في الحقيقة قلة، وقوله: شقيت بك، يريد شقيت بفقدك، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وإنما تشقى به الأحياء لمفارقتهم إياه.
قال الشيخ: قوله شقيت بفقدك الأحياء مدخول من القول فاسد، فإنه ما جرى في الرسم أن ينعي المادح نفس الممدوح إليه، ولا أن يمدحه بفقده وموته، وهب أن الأحياء تشقى به
لمطارقتهم إياه، فكيف تكثر به الأموات؟ أيموتون بموته أم تضرب أعناقهم على قبره؟ أم كيف؟ هذا محال من الوجوه كلها كما ترى. ومعناه: لا تكثر الأموات كثرة هي في الحقيقة قلة، لأن كثرة الأموات من قلة الأحياء، فهي قلة في الحقيقة، لأن الاعتبار بالحي دون الميت والفائدة فيه لا في الميت، إلا إذا شقيت بعداوتك الأحياء حتى تقتلهم، فتكثر الأموات حينئذ بقلة الأحياء، والدليل عليه ما يتلوه، وهو:
والقلبُ لا ينشَقُّ عمَّا تحتَهُ ... حتَّى تحُلَّ بهِ لكَ الشَّحناءُ
أي: والقلب لا ينشق عما فيه حتى تحل بالقلب لك الشحناء والبغض، فحينئذ ينشق القلب.
1 / 20