وخرج بيتر من تحت الوقاء مفضلا أن يجابه المطر، وألقى نظرة على أنا؛ فرأى عينيها مبللتين بالدموع، وقد ألصق المطر منديلها برأسها وتقلص وجهها وشحب.
وأحس ماجون هو أيضا بشيء رطب دافئ يبلل عينيه، ولكنه لم يعرف هو نفسه ما إذا كان يبكي أو أن المطر قد أخذ ينزلق فوق وجهه.
وعلى جانبي الطريق كانت الحقول المنتعشة السوداء تلوح وكأنها تجري تحت المطر الهادر المزبد، وكم لاحت له خيوله هزيلة تحت الطاقم الثقيل الذي يضرب جنوبها المبللة، ومع ذلك أخذت تعدو ومانجون يضرب كفليها بمقبض سوطه، وكل ضربة تتبعها قفزة مفاجئة من العربة، وأخذه القلق فاستدار برأسه ناحية أنا لكي يتأكد أنها لا تشكو من شيء، ولكن أنا لم تعد تتلفظ بشيء منذ وقت طويل.
وسقطت الصاعقة عن بعد ممزقة قبة السماء من ناحية الشرق.
وتحت سهام وابل المطر لاحت القرية ميتة، وأزت عجلات العربة المبللة وهي تستدير فجأة؛ لتعبر البوابة وتقف في الفناء.
وقفز ماجون إلى الأرض، وأمام المنزل خرج الأطفال ووقفوا صفا وهم يعلمون أن أمهم تحت الغطاء، ولكنهم لا يفهمون لماذا تأخرت في النزول، وانطلق بيتر نحو أقصى الفناء وصاح: إيه ... يا أب فاسيل ... يا ابنة العم ماريا ... احضروا بسرعة، ساعداني على إنزال أنا من العربة، فقد وضعت في الحقول.» وأسرع الجيران عراة الأقدام وهم يحمون رأسهم بقماش الجولات، واقتربت بنتا أنا الكبيرتان، وبكتا دون أن تعلما ماذا حدث، وقفز بيتر من جديد داخل العربة، وسحب الطفلين الواحد بعد الآخر من تحت الحصير وأعطاهما لابنة العم ماريا التي احتضنتهما فوق صدرها، وغطتهما بطرف شالها، وأسرعت بهما إلى البيت، وأنا بحكم بقائها طوال الوقت منحنية فوق طفليها قد تخشبت وكأنها قد انكسرت إلى نصفين.
ويستطيع الإنسان أن يسمعها إلى جوار الطفلين في السرير القائم عند النافذة.
والأطفال السبعة يبكون خائفين ولا يجرءون على دخول المنزل، وقد بقي بعضهم في الشرفة، والبعض الآخر في الردهة، وهم في قذارة ممزقو الثياب.
ويتركهم بيتر يجأرون دون أن يلقي إليهم بالا، ومن وقت إلى آخر تتراءى أمامه صورة ملحة، صورة وجبة كل يوم لتسعة أفواه جائعة دائما ويجب مع ذلك إطعامها، وعما قريب ستصبح أحد عشر فما.
نعم كل المطر قد نزل، ولكن قطعة أرضه الصغيرة لن تزداد خصبا، وأما من يملكون مائة هكتار يفلحونها بواسطة خدامهم فالأمر مختلف.
ناپیژندل شوی مخ