فقال الملكان: «أنت رجل صالح ولكن أهل سدوم جائرون طغاة وقد أغضبت ذنوبهم الله، فما يعنيك من أمرهم؟».
فقال لوط: «لست أعرف ما يعنيني وإنما أقول إني فكرت فيما يجب أن أعمله مع أهل سدوم، فرأيت أني قد قضيت حياتي وأنا أشكو منهم وأحكم على أفعالهم وأقسو في الحكم، ولكني أراني الآن حزينا لأنهم قد قضي عليهم بالهلاك، أجل إني قد ذهبت إلى أهل مدينة سيجور فرأيت أنهم أكثر صلاحا وتقى من أهل سدوم».
فقال الملكان: «قم واذهب إلى سيجور فإنها لن تهلك».
فقال لوط: «وما يعنيني من شأن سيجور؟ إني أعرف رجلا صالحا هناك كان يشكو من أهل مدينته كما أشكو أنا من أهل سدوم، والآن اتركاني فلست أقدر على ترك سدوم».
فعاد الملكان يلحان عليه بالخروج وقالا له: «قد أمرنا الله بأن ندمر سدوم» فقال لوط وهو هادئ: «فلتكن مشيئة الله، لقد فكرت طول الليل وتذكرت عدة أشياء جعلتني أبكي، هل سمعتم أهل سدوم وهم يغنون؟ كلا، إنكم لا تعرفونهم ولو عرفتم لما جئتم إليهم بهذه المهمة، فإن فتيات هذه المدينة إذا سرن في الطرق تبخترن في مشيتهن وتغنين بالأغاني العجيبة ويضحكن عندما يستيقن من الآبار. وليس في العالم ماء أصفى من ماء سدوم، وليس في العالم لغة أحلى من لغة سدوم، وإذا تكلم طفل فهمته كأنه ابني، وإذا لعب فإنما يلعب ما كنت ألعبه في طفولتي.
وكنت وأنا طفل إذا بكيت لاطفتني أمي بلغة سدوم. آه يا ربى إني أشعر كأن هذا قد حدث أمس فقط».
فقال أحد الملكين: «إن أهل سدوم قد أذنبوا وذنوبهم تعدو حدود الغفران ولذلك ...».
فقاطعه لوط قائلا: «أجل إنهم أذنبوا ولكنك هل لاحظت بعينك صناع المدينة؟ فهم يشتغلون كأنهم يلعبون فإذا صنعوا قدرا جميلة أو نسجوا قطعة من المدينة الكتان فليس يملك أحد قلبه من أن يطفر عندما يرى هذه الأيدي الصناع الماكرة وهي تشتغل، وقد يجلس الإنسان أمامهم طول النهار لا يسأم لفرط ما يبدونه من المهارة، وإذا أخطئوا غضب الإنسان لخطئهم أكثر مما يغضب لخطأ الصناع في سيجور. بل يشعر الإنسان بعذاب هذا الخطأ كأنه هو نفسه قد أخطأ فما هي قيمة صلاحي إذا كنت من أهل سدوم؟ فإذا كنتم ستقضون على سدوم فاقضوا علي أنا أيضا فلست رجلا صالحا بل واحد منهم؛ ولذلك إني لن أترك هذا المكان».
فاربد وجه الملك وقال مغضبا: «إنك ستهلك إذن معهم».
فأجاب لوط: «قد يكون ذلك، ولكني سأعمل جهدي كي أنجيهم من الدمار، ولست أعرف ما سأفعله ولكني أعتقد أن واجبي يحتم علي مساعدتهم إلى النهاية. أتظن أنه من السهل علي أن أتركهم؟ إني أخالف إرادة الله فهو لا يسمع لي، ولو سمع الدعوات إليه أن يمنحني ثلاثة أعوام أو ثلاثة أيام أو حتى ثلاث ساعات. وما قيمة ثلاث ساعات في عين الله؟ لو أن الله أمرني أمس بترك المدينة لقلت له: أمهلني يا ربى حتى أتكلم مع هذا وأخاطب ذاك، أجل إني قضيت حياتي أحكم عليهم بدلا من أن أتوسل إليهم وأغريهم بالصلاح فكيف أتركهم الآن ليهلكوا؟! ألست أنا أيضا مسئولا عن انغماسهم في الخطيئة، لست أحب أن أموت لكني لا أستطيع رؤيتهم يهلكون ولذلك سأبقى هنا.
ناپیژندل شوی مخ