فزعت زهرة حين سمعت هذا الكلام، فاضطربت وكادت أن تلقي بنفسها على قدميه باكية مسترحمة. لكنها سرعان ما ردها اليأس منه إلى صوابها، فجمعت قواها، ونظرت إليه في ازدراء، وقالت: تبا لك من وغد مخادع! ألي أنا تقول هذا الكلام؟
بل قل إنك أغراك المال فهزأت بالشرف! لقد رأيتني بلغ حبي إياك شغاف نفسي وحبة قلبي، فنصبت لي كل شباكك، واستدرجتني باسم الزواج فكان ما كان. لقد كنت أحسبك إنسانا، فإذا أنت حيوان وفيك كل بهيمية الحيوان. وفيك خسة يسمو عليها كثير من الحيوان. أما وأنت كذلك، فليس لى إلا أن أبصق في وجهك، وأدعو الله أن ينتقم لي منك!
وبصقت في وجهه، ثم ارتدت على عقبيها مسرعة خارج الدار!
أما هو، فمسح وجهه، وابتسم وكأن لم يكن شيء. وقال فيما بينه وبين نفسه: مسكينة! لكني انتقمت لنفسي منها، لقد أذللت كبرياءها التي واجهتني بها أول ما ملقت جمالها. ثم أذللتها هي حتى تعلم أن الرجال لا يعاملون كذلك.
وبلغت زهرة الكورنيش مضطربة، يهتز كل جسمها من شعر رأسها إلى أخمص قدمها. ثم إنها ركبت الأتوبيس إلى سيدي بشر، معتزمة أن تلقي بنفسها في لجة البحر الخضم.
فلما بلغت غايتها، نزلت على الدرج إلى رمال الشاطئ، وتقدمت إلى ناحية البحر، حتى صارت عند ملتقى الموج بالرمل، وهنالك جلست منهدة في إعياء، وقد أنهكتها الانفعالات التي مرت بها طول يومها. فلما أنعشها هواء البحر وتلفتت حولها فلم تر أحدا، انخرطت في بكاء كأنما تودع هذه الدنيا! ثم إنها نظرت إلى البحر وموجه نظر المحتضر إلى قبر، فانزعجت. ورمى البحر إلى الشاطئ خشبة قذفتها الأمواج، فتصورت زهرة جثتها يقذف بها البحر كهذه الخشبة، وخيل إليها أن أسعد مر بها وعرفها، فافتر ثغره عن بسمة الرضا، لأن موتها ستر لعاره!
وساورتها هواجس شتى من هذا القبيل، فقامت مترددة: أتغامر فتخوض موج البحر إلى لجته فتنتحر فيه؟! أم ترتد أدراجها تعاود التفكير في أمرها؟
ودفعها الحرص على الحياة فارتدت إلى الطريق، وعادت إلى خالها، مشتتة الذهن، سقيمة الوجدان!
وإنها لتعاني قلق النفس واضطراب الخاطر، إذ تناول خالها رسالة من أمها تذكر فيها أن أختها الثانية خطبت، وأنها ستزف بعد أسبوع ، وكان طبيعيا أن تعود مع خالها إلى قريتها لتحضر هذا الزفاف، وأن تبقى بعد ذلك مع أمها، تؤنس وحدتها، وتقوم بخدمتها.
ورحبت بها أمها، ورحب بها أهلها، وأكبروا رشاقة هندامها، وجمال ثيابها وحديثها حديث الحضر. وانخرطت هي في زحمة الفرح الشامل الذي يسبق ليلة الزفاف، فإذا جن عليها الليل، وآوت إلى مخدعها، عاودها قلقها واضطرابها وأخذت تفكر في المصير المظلم الذي ينتظرها.
ناپیژندل شوی مخ