لقد كان وحشي الهيئة، أجش الصوت؛ فأطعته، وفجأة شعرت بالبلاطة تنزع من يدي، وشعرت بمن يحملني عن الأرض. لقد كانت خادمتي هي التي تحتملني وهي غضبى، وغسلت لي جسمي بقطع صابون مرسيليا الكبير، وأخذت توبخني على اللعب مع ولد غير مؤدب يجول في الشوارع طول يومه ولا يساوي شيئا.
وزادت أمي على ذلك بقولها: إن ألفونس يا بني لم يرب تربية حسنة. في الحق أن هذه ليست غلطته، بل هي شقوته، ولكن الأولاد الذين ربوا تربية حسنة لا يجب أن يعاشروا الأولاد الذين لم تحسن تربيتهم.
كنت طفلا نبيها مفكرا، فحفظت في نفسي كلمات أمي، ولا أعرف كيف استعادت ذاكرتي ما كنت قد عرفته عن الأولاد الملاعين أثناء استماعي لتفسير إنجيلي ذي الصور والنقوش القديمة.
وتغيرت عواطفي نحو ألفونس كلية، فصرت لا أحسده . كلا! لقد بث في نفسي شعورا هو خليط من الفزع والرثاء: «إن هذه ليست غلطته، بل هي شقوته!» لقد كانت هذه الجملة التي ذكرتها أمي تزعجني من أجله. أماه! لقد أحسنت إذ ذكرت لي هذه الكلمات، لقد أحسنت إذ كشفت لي وأنا لا أزال في أكثر أعوام الحياة رقة عاطفة وإحساس عن سذاجة البائسين وطهرهم وعدم تمييزهم. لقد أحسنت في التعبير، وعلي أنا أن أذكر دائما هذا الكلام في مستقبل حياتي.
لقد أثر في الكلام، ولو في الحادثة التالية على الأقل، وشعرت بشفقة نحو ذلك الولد اللعين؛ ففي ذات يوم، بينما كان يعاكس ببغاء في الحوش، تملكها إحدى الساكنات المسنات، تخيلت هذا ال «قابيل»
4
القوي السيئ الطباع، تخيلته على طيبة «هابيل» الصغير الوديع ... وا أسفاه! إنها السعادة هي التي تجعل من كل إنسان «هابيل»!
وحاولت أن أرسل إلى هذا ال «قابيل» دليلا على عطفي. فكرت أن أرسل إليه بقبلة، غير أن وجهه القذر ظهر لي أقل نظافة من أن يستقبلها، ورفض قلبي أن يسمح بهذه الهبة! وفكرت طويلا فيما يمكنني أن أعطيه، وكانت حيرتي كبيرة. فكرت أن أعطي ألفونس حصاني الميكانيكي - وكان إذ ذاك قد فقد ذيله ومعرفته! - ولكن هل هبة حصان تدل على العطف والشفقة؟ بل كان يجب أن تكون الهدية موافقة لولد لعين. وردة مثلا؟ لقد كانت هناك باقات كثيرة من الورد في غرفة الاستقبال، ولكن الوردة تشبه القبلة، وكنت أشك في أن ألفونس يحب الورد! وعلى ذلك أخذت أدور في غرفة الطعام وأنا في حيرة شديدة، وفجأة! صفقت بيدي بفرح: لقد عرفت ما يجب أن أهديه!
في غرفة الطعام، على مائدة إلى جانب الحائط وفي طبق خاص، رأيت عنبا من أجود الأصناف التي تأتي من «فونتنبلو»، فاستعنت بكرسي صعدت عليه حتى حصلت على عنقود طويل ثقيل الوزن من هذا العنب، وكاد يملأ ثلاثة أرباع الطبق، وكانت عنب هذا العنقود تميل في لونها إلى الاصفرار، وذهبية من ناحية منها، فكان يخيل للرائي أنها تذوب في الفم ذوبانا بمجرد وصولها إليه، ومع ذلك لم أذقها!
وجريت أبحث عن لفة من الخيط على مائدة حياكة والدتي - ولقد كان محرما علي أن أمس شيئا يوجد على تلك المائدة، إلا أنه يجب على الإنسان أن يتعلم عصيان الأوامر في بعض الأحيان - وربطت عنقود العنب في أحد طرفي الخيط، وانحنيت على حافة الشباك وناديت ألفونس، وأخذت في إنزال عنقود العنب إليه في الحوش بواسطة الخيط.
ناپیژندل شوی مخ