مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي ارسل أنبياءه حجة على العالمين وعقبهم بالأوصياء تكميلا للدين المبين واصطفى منهم خمسة وهم أولوا العزم وفضلهم على أنبيائه المرسلين واختار من بينهم محمدا صلى الله عليه وآله وجعله نبيا وآدم بين الماء والطين ثم فضل أوصياءه صلوات الله عليهم وصيرهم حجة على أهل السماوات والأرضين وفضل من بينهم ابن عمه وأخاه وباب مدينة علمه على الخلق أجمعين وخصه باسم حرم على غيره بان يسمى به وهو أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أولاده المعصومين من يومنا هذا إلى يوم الدين.
وبعد فيقول المذنب الجاني قليل البضاعة وكثير الإضاعة نعمة الله الموسوي الجزائري وفقه الله تعالى لمراضيه وجعل مستقبل أحواله خيرا من ماضيه انه لما وفقنا الله سبحانه لتأليف كتابنا الموسوم (برياض الأبرار) في مناقب الأئمة الأطهار سلام الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار واستقصينا فيه ما بلغنا من أحوال النبي صلى الله عليه وآله وأحوال الأئمة عليهم السلام من مواليدهم ومعجزاتهم وغزواتهم ومناقبهم على التمام فجاءت عدته ثلاث مجلدات حسان فيهن من اسرارهم (ع) ما لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان ثم إن جماعة من علماء الاخوان التمسوا منا ان نكتب كتابا في تفصيل أحوال الأنبياء وما جرى عليهم في سالف الزمان ليكون متمما لكتابنا المذكور وتتلى أحاديثه في البكور والعصور وسميناه (النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين) و رتبناه على مقدمة وأبواب وفصول وخاتمة
مخ ۲
المقدمة في بيان ما يشترك فيه الأنبياء عليهم السلام وفي عددهم وبيان أولى العزم منهم والفرق بين النبي والامام وجملة من أحوالهم اعلم أن وهب بن منبه صنف كتابا مبسوطا في قصص الأنبياء ولا نعتمد ما أورده فيه لأنه من طريق الجمهور وتواريخهم فيصلح شاهدا لا حجة على المطلوب واما الفاضل الراوندي قدس الله ضريحه فهو من علمائنا وكتب أيضا كتابا أوضح فيه عن قصص الأنبياء عليهم السلام وروى ما أودع فيه من اخبارنا عن الأئمة عليهم السلام الا انه قد شذ عنه أكثر ما ضمنه كتابه فجاءت القصص ناقصة تحتاج إلى التتميم واما شيخنا المعاصر قدس الله سره فقد الف كتاب (بحار الأنوار) وجعل الكتاب الخامس في أحوال الأنبياء (ع) وسماه كتاب النبوة فهو وان أحاط بجميع قصصهم (ع) وتفصيل أحوالهم من اخبارنا ورواياتنا الا انه بلغ الغاية في التطويل والتفصيل لأنه ذكر الآيات أولا وتفسيرها ثانيا وكل ما ورد من طريق العامة والخاصة في بيان أحوالهم (ع) فأحببت ان أنسج كتابي هذا على منوال عجيب وطرز غريب بان أذكر كل ما ورد من طرق الخاصة وبعض ما احتاج إليه من روايات الجمهور ان وقع الاحتياج إليه على طريق الاختصار فيكون كتابا صغير الحجم غزير العلم تهش إليه الألباب وتستلذه الطلاب قال الله تعالى: (وإذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم واخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين).
مخ ۳
روى الثقة علي بن إبراهيم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين (ع) وهو قوله تعالى: (ولتؤمنن به) يعني برسول الله صلى الله عليه وآله ولتنصرن أمير المؤمنين (ع) ثم قال لهم في الذر أأقررتم واخذتم على ذلكم إصري - اي عهدي - قالوا: قد أقررنا قال الله: فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين.
(أقول) جاءت الاخبار مستفيضه في أن القائم (ع) إذا خرج وقام له الملك يخرج في زمانه النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع) وهو صاحب العصا والميسم بسم الله في جبهته فينتقش بها هذا مؤمن وبسم الكافر فينتقش في جبهته هذا كافر ويخرج الأئمة صلوات الله عليهم والأنبياء صلوات الله عليهم لينصروا أمير المؤمنين (ع) والمهدي صلوات الله عليه سيما الأنبياء الذين أوذوا في الله كزكريا ويحيى وحزقيل ومن قتل منهم ومن جرح فان الاخبار جاءت مستفيضه برجوعهم إلى الدنيا ليقتصوا ممن آذاهم وقتلهم من الأمم وليأخذوا بثار الحسين (ع). (وعن جميل) عن أبي عبد الله (ع) قال: قلت، قول الله عز وجل:
(انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) قال: ذاك والله في الرجعة، أما علمت أن أنبياء الله كثيرون لم ينصروا في الدنيا والأئمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا في الدنيا وذلك قوله في الرجعة - والاشهاد الأئمة (ع).
(يقول مؤلف الكتاب) أيده الله تعالى: المراد من الرسل في الآية الأنبياء ففي هذا الحديث وما قبله وما روى بمعناه دلالة على أن الأنبياء (ع) كلهم يرجعون إلى الدنيا في القيامة الصغرى وينصرهم الله تعالى بالقوة والملائكة على أعدائهم وأعداء آل محمد (ع) ويحيى الله سبحانه أممهم الذين آذوهم كما يخرج بني أمية ومن رضى بفعالهم من ذراريهم وغيرها وكذلك يحيى من أخلص الايمان من الأمم ليفوزوا بثواب النصر والجهاد ويتنعموا في دولة آل محمد صلوات الله عليهم كما قال سبحانه:
(ويوم نبعث من كل أمة فوجا). وقال الصدوق طيب الله ثراه: اعتقادنا في عدد الأنبياء (ع) انهم مائة الف نبي وأربعة وعشرون الف نبي ومائة الف وصي وأربعة
مخ ۴
وعشرون الف وصي وان سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحى وهم أصحاب الشرائع ومن اتى بشريعة مستأنفة نسخت شريعة من تقدمه وهم خمسة نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد وهم أولوا العزم صلوات الله عليهم.
(أقول) ما قال في عددهم عليهم السلام هو الذي دلت عليه واضحات الاخبار وقاله علماؤنا رضوان الله عليهم وما دل على خلافه يكون محمولا على طريق التأويل مثل ما روى في قوله صلى الله عليه وآله بعثت على اثر ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل بان يراد أعاظم الأنبياء (ع) واما المرسلون ففيه صلى الله عليه وآله انهم ثلاثمائة وثلاثة عشر وقيل له يا رسول الله كم انزل الله من كتاب؟ قال مائة كتاب وأربعة كتب انزل الله على شيث عليه السلام خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشرين صحيفة وانزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وفي كتاب (الاختصاص) للمفيد طاب ثراه باسناده إلى صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي يا صفوان هل تدري كم بعث الله من نبي؟
قال: قلت ما أدري قال بعث الله مائة الف نبي وأربعين الف نبي ومثلهم أوصياء وعنه (عليه السلام) قال أبو ذر يا رسول الله كم بعث الله من نبي؟ فقال ثلاثمائة الف نبي وعشرين الف نبي والمرسلون منهم ثلاثمائة وبضعة عشر والكتب المنزلة مائة كتاب وأربعة وعشرون كتابا، منها انزل على إدريس خمسين صحيفة (أقول) وجه الجمع بين هذين الخبرين وما تقدم يكون اما بحمل الزائد من عدد الأنبياء على ما كان قبل آدم (ع) فان الأرض لا تخلو من حجه ما دام التكليف (باق) أو بان يقال ان مفهوم العدد ليس بحجه. وعن أبي الحسن موسى (ع) قال:
ان الأنبياء واتباع الأنبياء خصوا بثلاث خصال السقم في الأبدان وخوف السلطان والفقر (أقول) يجوز ان يراد من الأنبياء المعصومون منهم المنزهون عن الذنوب ويجوز ان يراد بهم الأعم فيكون ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله من العلويين كلهم داخلين في الأمور الثلاثة، واما الاتباع فهم العلماء والصلحاء والفقراء والمتقون وفي كتاب (الاقبال) لابن طاووس قدس الله ضريحه باسناده إلى الثمالي قال:
مخ ۵
سمعت علي بن الحسين (ع) يقول: من أحب ان يصافحه مائة الف نبي وأربعة وعشرون الف نبي فليزر الحسين (ع) ليلة النصف من شعبان فان أرواح النبيين يستأذنون الله زيارته فيأذن لهم فطوبى لمن صافحهم وصافحوه، منهم خمسة أولوا العزم من المرسلين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين (قلت) ولم سموا أولى العزم؟ قال: لأنهم بعثوا إلى شرقها وغربها وجنها وانسها (أقول) هذه المصافحة يجوز ان تكون في الدنيا لزائريه وان لم يشعروا بها أو ببعضها فان الملائكة تتصور بصور الرجال يأتون إلى زيارته ويصافحون زواره ويجوز ان يكون يوم القيامة في الجنة أو قبل دخولها وقوله فليزر الحسين (ع) الظاهر أن المراد زيارته من قرب وأراده البعد محتمله أيضا وما دل عليه من اولي العزم هذه الخمسة صلوات الله عليهم روى في الأخبار المستفيضة ورواه الجمهور عن ابن عباس وقتادة وذهب بعضهم إلى أنهم ستة نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وقيل هم الذين أمروا بالقتال والجهاد وأظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين وقيل هم أربعة، إبراهيم ونوح وهود ومحمد صلى الله عليه وآله ولا عبرة بهذه الأقوال كلها لأنها خلاف اجماعنا وأصحابنا وما تضمنه ومن وجه التسمية وان رسالتهم عامة هو أحد الروايات وفي تفسير الثقة علي بن إبراهيم انهم سموا اولي العزم لأنهم سبقوا الأنبياء إلى الاقرار بالله وأقروا بكل نبي كان قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى وفي (عيون الاخبار) عن الرضا (ع) قال: انهم سموا أولوا العزم لأنهم كانوا أصحاب العزائم والشرائع وذلك أن كل نبي كان بعد نوح كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل (ع) ثم ساق الكلام في الخمسة على مثال واحد وفيه دلالة على أن الخمسة (ع) رسالتهم عامة ولا كلام في الثلاثة انما الكلام في عموم رسالة موسى وعيسى (ع) لان في بعض الاخبار نوع معارضته لها وان رسالتهما كانت خاصة لا عامة ويمكن تأويل تلك الأخبار وابقاء ما دل على عموم رسالتهما على حاله لاستفاضة والأخبار الدالة عليه.
وفي (مشارق الأنوار) عن علي بن عاصم الكوفي قال: دخلت علي أبي محمد
مخ ۶
العسكري (ع) فقال لي يا علي انظر إلى ما تحت قدميك فإنك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين والأئمة الراشدين ثم قال ادن مني فدنوت منه فمسح يده على وجهي فصرت بصيرا قال فرأيت في البساط اقداما وصورا وقال: هذا اثر قدم آدم (ع) وموضع جلوسه وهذا اثر هابيل وهذا اثر نوح وهذا اثر قيدار وهذا اثر مهلائيل وهذا اثر يارد وهذا اثر أخنوخ وهذا اثر إدريس وهذا اثر متوشلخ وهذا اثر سام وهذا اثر فخشد وهذا اثر صالح وهذا اثر لقمان وهذا اثر إبراهيم وهذا اثر لوط وهذا اثر إسماعيل وهذا اثر الياس وهذا اثر إسحاق وهذا اثر يعقوب وهذا اثر يوسف وهذا اثر شعيب وهذا اثر موسى وهذا اثر يوشع بن نون وهذا اثر طالوت وهذا اثر سليمان وهذا اثر الخضر وهذا اثر دانيال وهذا اثر اليسع وهذا اثر ذي القرنين (الإسكندر) وهذا اثر سابور بن اردشير وهذا اثر لوي وهذا اثر كلاب وهذا اثر قصي وهذا اثر عدنان وهذا اثر عبد مناف وهذا اثر عبد المطلب وهذا اثر عبد الله وهذا اثر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اثر أمير المؤمنين عليه السلام وهذا اثر الأوصياء من بعدهم والمهدي عليهم السلام لأنه قد وطأه وجلس عليه، ثم انظر إلى الآثار واعلم انها آثار دين الله وان الشاك فيهم كالشاك في الله ثم قال اخفض طرفك يا علي فرجعت محجوبا كما كنت (أقول) ما اشتمل عليه من ذكر سابور وما بعده يدل على أنهم كانوا مسلمين وقتا ما وذلك لان سابور من أجداد علي بن الحسين (ع) كما أن لوي وما بعده من أجداد النبي (ص). (وروى) الشيخ طاب ثراه في الأمالي باسناده إلى رجل جعفي قال: كنا عند أبي عبد الله (ع) فقال: اللهم أسألك رزقا طيبا قال: فقال أبو عبد الله (ع) هيهات هيهات هذا قوت الأنبياء ولكن سل ربك رزقا لا يعذبك عليه يوم القيامة هيهات ان الله يقول (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) والطيبات الرزق الحلال وفي (الكافي) باسناده إلى معمر بن خلاد قال: نظر أبو جعفر عليه السلام إلى رجل وهو يقول: اللهم إني أسألك عن رزقك الحلال، فقال أبو جعفر عليه السلام:
مخ ۷
سالت قوت النبيين قل اللهم إني أسألك رزقا واسعا طيبا من رزقك.
(أقول) المراد من الرزق الحلال في الحديثين ما يكون حلالا في الواقع ونفس الامر وهو رزق الأنبياء وأوصيائهم واما رزق المؤمنين فهو الحلال في ظاهر الشريعة وربما كان فيه شبهات وفي (الكافي) عن زرارة قال سألت أبا جعفر (ع ) عن عن قول الله تعالى (وكان رسولا نبيا) ما الرسول وما النبي؟ قال النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، والرسول الذي يرى في المنام ويسمع الصوت ويعاين الملك قلت الامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك ثم تلا هذه الآية (وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) وعن الرضا (ع) الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلماته وينزل عليه الوحي وربما يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (ع) والنبي ربما يسمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع الامام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص.
(وفي الصحيح) عن الأحوال قال: سمعت زرارة يسأل أبا جعفر (ع) قال:
اخبرني عن الرسول والنبي والمحدث فقال الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه واما النبي فهو يرى في منامه على نحو ما رأى إبراهيم (ع) ونحو ما كان رسول الله (ص) من أسباب النبوة قبل الوحي حتى اتاه جبرئيل من عند الله بالرسالة وكان محمد (ص) حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل (ع) ويكلمه بها قبلا ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه يأتيه الروح فيكلمه من غير أن يكون رآه في اليقظة واما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه (أقول) اختلف علماء الاسلام في الفرق بين النبي والرسول، فقيل بالترادف وقيل بالفرق بان الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب وانما يدعو إلى كتاب من قبله.
مخ ۸
ومنهم من قال: ان من كان صاحب المعجزة وصاحب الكتاب ونسخ شرع من قبله فهو الرسول ومن لم يكن مستجمعا لهذه الخصلة فهو النبي غير الرسول، ومنهم من قال: أن من جاءه الملك ظاهرا وأمره بدعوة الخلق فهو الرسول ومن لم يكن كذلك بل يرى في النوم فهو النبي ذكر هذه الوجوه الفخر الرازي وغيره والظاهر من حديثنا صحة القول الأخير لما مر من عدد المرسلين وكون من نسخ شرعه ليس الا خمسة (وفي كتاب البصائر) عن الباقرين (ع) والمرسلون على أربع طبقا فنبي تنبأ في نفسه لا يعد وغيرها ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاين في اليقظة ولم يبعث إلى أحد وعليه امام مثل ما كان إبراهيم على لوط ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد ارسل إلى طائفة قلوا أو كثروا كما قال الله تعالى:
(فأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون) وقال يزيدون ثلاثين ألفا ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو امام مثل اولي العزم وقد كان إبراهيم (ع) نبيا وليس بامام حتى قال (اني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) اي من عبد صنما أو وثنا.
(أقول) يعني الإمامة الرياسة العامة لجميع المخلوقات فهي أفضل من النبوة وأشرف منها.
(الإختصاص للمفيد) عن عمر بن ابان عن بعضهم قال كان خمسة من الأنبياء سريانيون آدم وشيث وإدريس ونوح وإبراهيم، وكان لسان آدم العربية وهو لسان أهل الجنة فلما عصى ربه أبدله السريانية قال وكان خمسة عبرانيون إسحاق ويعقوب وموسى وداود وعيسى وخمسة من العرب هود وصالح و شعيب وإسماعيل ومحمد (ص) وملك الدنيا مؤمنان وكافران فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان (ع) واما الكافران فنمرود بن كوش بن كنعان وبخت نصر (أقول) نصر بوزن بقم اسم صنم وبخت يعني أولد لأنه وجد مطروحا عنده فكأنه ابنه وروى الصدوق طاب ثراه في اكمال الدين حديثا طويلا يسنده إلى
مخ ۹
الباقر (ع) وفيه ان آدم (ع) لما استكملت أيام نبوته أوحى الله سبحانه إليه ان يجعل العلم وميراث النبوة في ابنه هبة الله وبشر آدم بنوح وكان بينهما عشرة آباء كلهم أنبياء فلما مضت أيام نبوة نوح (ع) دفع ميراث العلم والنبوة إلى ابنه سام وليس بعد سام الا هود فكان بين نوح وهود من الأنبياء مستخفين وغير مستخفين ومن بعد هود انتهت النبوة إلى إبراهيم وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة وذكر كلاما طويلا ثم قال فأرسل الله موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون وكان يقتل في اليوم نبيين وثلاثة وأربعة حتى أنه كان يقتل في اليوم الواحد سبعون نبيا ويقوم سوق بقلهم آخر النهار ثم ذكر ان موسى (ع) ارسل إلى أهل مصر خاصة وان عيسى ارسل إلى بني إسرائيل خاصة وأرسل الله محمدا صلى الله عليه وآله إلى الإنس والجن عامة وهذا الحديث يعارض ما تقدم من عموم رسالة موسى وعيسى عليهما السلام ويجري فيه من التأويل انه من قبيل ما يقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله ارسل إلى العرب أو يقال انه ارسل إلى مكة لضرب من المجاز والعلاقة ظاهرة (وفي الكافي) يسنده إلى البرقي يرفعه إلى أبي عبد الله (ع) قال إن الله جعل اسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا فأعطى آدم منها خمسة وعشرين حرفا وأعطى نوحا منها خمسة وعشرين وأعطى إبراهيم منها ثمانية أحرف وأعطى منها موسى أربعة أحرف واعطى منها عيسى حرفين وكان يحيى بها الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص وأعطى محمدا صلى الله عليه وآله اثنين وسبعين حرفا واحتجب حرفا لئلا يعلم ما في نفسه ويعلم ما في نفس العباد. (وعن) عليه السلام: كان مع عيسى ابن مريم حرفان يعمل بهما وكان مع موسى (ع) أربعة أحرف وكان مع إبراهيم عليه السلام ستة أحرف وكان مع آدم (ع) خمسة وعشرون حرفا وكان مع نوح عليه السلام ثمانية وجمع ذلك كله لرسول الله صلى الله عليه وآله ان اسم الله ثلاثة وسبعون حرفا وحجب عنه واحد. (أقول) ان الله سبحانه حجب الاسم الأعظم عن عباده غير الأنبياء وأوصيائهم.
(قال المحققون): لعل الوجه فيه انه لو عرفهم إياه لأقبلوا على الدعاء به
مخ ۱۰
وأعرضوا عما سواه من الأسماء الحسنى على أن أكثرهم لا تحتمله عقولهم ولو عرفوه لأفسدوا على أنفسهم ضياع دينهم وعلى غيرهم ضياع دنياهم كما وقع لبلعم بن باعورا حتى سلخه الله تعالى علمه وكذلك حجبت ليله القدر في ثلاث ليال ليحافظ على العبادة فيها كلها وكذلك حجب ولي الله في جملة الناس لأنه لو عرف بعينه لربما اقبل الناس على توقيره واحترامه وحده وولعوا بالاضرار بغيره وربما أوقع الضرر به فيعظم الذنب ومع أنه سبحانه حجبه عن الخلق وورد في الاخبار تارة انه أقرب إلى بسم الله الرحمن الرحيم من سواد العين إلى بياضها. (وقيل):
انه في سورة التوحيد (وقيل) انه لفظة لا غير. وفي الاخبار غير هذا أيضا.
واما آدم (ع) وكذلك اعطى نوح (ع) فلا يلزم منه فضلهما وشرفهما على إبراهيم (ع) لان الأفضلية لا يلزم ان تكون بكل فرد فرد وشخص شخص من أنواع التكامل في التفاضل بين اولي العزم الأربعة والذي يظهر من إشارات الاخبار انه الخليل (ع) لأمور سيأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى في مواضعها.
(وفي بعض) انه كان مع إبراهيم (ع) من الاسم الأعظم ستة أحرف ومع نوح (ع) ثمانية ومفهوم العدد ليس بحجة كما تقرر في الأصول.
وروى الثقة علي بن إبراهيم عن ياسر عن أبي الحسن (ع) قال ما بعث الله نبيا الا صاحب مرة سوداء صافية. (أقول) صاحب هذه المرة تقرر في علم الطب انه في غاية الحذق والفطانة والحفظ لكن لما كان يجامعها الخيالات الفاسدة والجبن والغضب وصفها بأنها صافية اي خالية من هذه الأخلاق الردية.
(وعن) أبي عبد الله (ع): ان الله عز وجل أحب لأنبيائه من الأعمال الحرث والرعي لان لا يكرهوا شيئا من قطر السماء، وقال (ع) ما بعث الله نبيا قط حتى يسترعيه الغنم يعلمه بذلك رعيه الناس. (اكمال الدين) باسناده إلى الصادق (ع) عن النبي صلى الله عليه وآله قال عاش آدم أبو البشر تسعمائة وثلاثين سنه وعاش نوح الفي سنة وأربعمائة وعاش إبراهيم (ع) مائة سنة وخمسا وسبعين وعاش إسماعيل بن
مخ ۱۱
إبراهيم مائة وعشرين سنة وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة وعاش يعقوب (ع) مائة وعشرين سنة وعاش يوسف (ع) مائة وعشرين سنة وعاش موسى (ع) مائة وستا وعشرين سنة وعاش هارون (ع) مائة وثلاثا وثلاثين سنة وعاش داود عليه السلام مائة سنة منها أربعون سنة ملكه وعاش سليمان بن داود (ع) سبعمائة واثنى عشر سنة. (وعنه) عليه السلام: قال إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالجوع حتى يموت جوعا وان كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعطش حتى يموت عطشا وان كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالسقم والأمراض حتى يتلفه وان كان النبي ليأتي قومه فيقوم فيهم يأمرهم بطاعة الله ويدعوهم إلى توحيد الله وما معه مبيت ليلة فما يتركونه يفرغ من كلامه ولا يستمعون إليه حتى يقتلوه وانما يبتلي الله تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده (وعن أبي الحسن) عليه السلام: من أخلاق الأنبياء التنظف والتطيب وحلق الشعر وكثرة الطروقة. (وعن أمير المؤمنين) عليه السلام: العشاء بعد العتمة عشاء النبيين.
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام ما من نبي الا وقد دعى لاكل الشعير وبارك عليه. وما دخل جوفا الا اخرج كل داء فيه وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار أبى الله تعالى ان يجعل قوت أنبيائه الا شعيرا (وعن الصادق) عليه السلام: السويق طعام المرسلين واللحم باللبن مرق الأنبياء وكان أحب الاصباغ (1) إلى رسول الله صلى عليه عليه وآله الخل والزيت وهو طعام الأنبياء وما افتقر أهل بيت يأتدمون بالخل والزيت. (وروى الصدوق) طاب ثراه في كتاب (علل الشرايع) باسناده إلى ابن السكيت قال قلت لأبي الحسن الرضا (ع) لما ذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا وآله السحر وبعث عيسى بالطب وبعث محمدا بالكلام والخطب فقال (ع) ان الله تبارك وتعالى لما بعث موسى كان الأغلب على أهل
مخ ۱۲
عصره السحر فأتاهم من عند الله عز وجل بما لم يكن في وسع القوم مثله وبما أبطل به سحرهم فأثبت به الحجة عليهم وان الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند الله عز وجل بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيى لهم الموتى وابراء الأكمه والأبرص بإذن الله وأثبت به الحجة عليهم وان الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى عليه وآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام فأتاهم من كتاب الله عز وجل ومواعظه واحكامه ما أبطل به قولهم وأثبت الحجة عليهم فقال ابن السكيت تالله ما رأيت مثل اليوم قط فما الحجة على الخلق اليوم فقال (ع): العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه فقال ابن السكيت هذا والله الجواب.
خاتمة في بيان عصمة الأنبياء وتأويل ما يوهم خلافه قال الصدوق قدس الله ضريحه: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة صلوات الله عليهم انهم معصومون مطهرون من كل دنس وانهم لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومن نفى عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم. واعتقادنا فيهم انهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا جهل (روى) قدس الله رمسه في كتاب الأمالي باسناده إلى أبي الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا (ع) أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات واليهود والنصارى والمجوس والصابئة وسائر أهل المقالات فلم
مخ ۱۳
يقم أحد الا وقد ألزمته حجته كأنه ألقم حجرا فقام إليه على بن الجهم فقال يا ابن رسول الله أتقول بعصمة الأنبياء قال بلى قال فما تقول في قول الله عز وجل (وعصى آدم ربه فغوى)، وقوله عز وجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه)، وقوله في يوسف (ولقد همت به وهم بها)، وقوله في داود (وظن داود انما فتناه)، وقوله في نبيه محمد (وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه). فقال مولانا الرضا (ع) ويحك يا علي اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تأول كتاب الله برأيك فان الله عز وجل يقول (وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم)، واما قوله عز وجل فعصى آدم ربه فغوى فان الله عز وجل خلق آدم حجة في ارضه وخليفة في بلاده ولم يخلقه للجنة وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير امر الله عز وجل فلما اهبط إلى الأرض جعل حجة وخليفة عصم بقوله عز وجل (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) واما قوله عز وجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) انما ظن أن الله عز وجل لا يضيق عليه الا تسمع قول الله عز وجل (وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه) اي ضيق عليه ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر، واما قوله عز وجل في يوسف (ولقد همت به وهم بها) فإنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها ان أجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء يعني الزنا واما داود فما يقولون من قبلكم فيه؟ فقال علي بن الجهم يقولون ان داود كان في محرابه يصلي إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير إلى الدار فخرج في اثره فطار الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حنان فاطلع داود في اثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه ان قدم أوريا امام الحرب فقدم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود فكتب الثانية ان قدمه امام التابوت فقتل أوريا رحمه الله وتزوج داود بامرأته قال فضرب
مخ ۱۴
الرضا (ع) بيده على جبهته وقال انا لله وانا إليه راجعون ولقد نسبتم نبيا من الأنبياء إلى التهاون بصلاته حتى خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل. فقال يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته فقال ويحك ان داود انما ظن أن الله لم يخلق خلقا هو اعلم منه فبعث الله إليه الملكين فتسوروا المحراب فقالا خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب، فعجل داود على المدعي عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ولم يقبل على المدعى عليه فيقول ما يقول، فقال هذه خطيئة حكمه لا ما ذهبتم إليه الا تسمع قول الله عز وجل (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق).. الآية. فقلت يا ابن رسول الله فما قصته مع أوريا؟ فقال الرضا (ع) ان المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده ابدا وأول من أباح الله عز وجل له ان يتزوج بامرأة قتل بعلها داود فذلك الذي على أوريا واما محمد وقول الله عز وجل (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه) فان الله عز وجل عرف نبيه (ص) أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في الآخرة وانهن أمهات المؤمنين واحد من سمى له زينب بنت جحش وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة فأخفى صلى الله عليه وآله اسمها في نفسه ولم يبدله لكيلا يقول أحد من المنافقين انه قال في امرأة في بيت رجل انها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين وخشي قول المنافقين قال الله عز وجل (والله أحق ان تخشاه في نفسك) وان الله عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه الا تزويج حواء من آدم (ع) وزينب من رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة من علي (ع). قال فبكى علي بن الجهم وقال يا ابن رسول الله انا تائب إلى الله عز وجل ان انطق في أنبياءه بعد يومي هذا الا بما ذكرته. (أقول) قوله (ع) وكانت المعصية من آدم في الجنة ظاهره تجويز الخطيئة على آدم (ع) على بعض الجهات اما لان المعصية منه كانت في الجنة والعصمة تكون في الدنيا أو لأنها كانت قبل البعثة وانما تجب عصمتهم بعد النبوة وكلاهما
مخ ۱۵
خلاف ما أجمع عليه علماؤنا ودلت عليه اخبارنا، ومن ثم قال شيخنا المحدث أبقاه الله تعالى يمكن ان يحمل كلامه (ع) على أن المراد من المعصية ارتكاب المكروه ويكونون بعد البعثة معصومين عن مثلها أيضا ويكون ذكر الجنة لبيان كون النهي للتنزيه والارشاد لان الجنة لم تكن دار تكليف حتى يقع فيها النهي التحريمي ويحتمل ان يكون المراد الكلام على هذا النحو لنوع من التقية مماشاة مع العامة لموافقة بعض أقوالهم أو على سبيل التنزل والاستظهار ردا على من جوز الذنب على الأنبياء (ص)، واما ظن داود (ع) فيحتمل ان يكون ظن أنه اعلم أهل زمانه وان كان صادقا الا انه لما كان مصادفا لنوع من العجب نبه الله تعالى بارسال الملكين واما تعجيله (ع) في حال المرافعة فليس المراد انه حكم بظلم المدعى عليه قبل البينة إذ المراد بقوله لقد ظلمك انه لو كان كما تقول فقد ظلمك وكان الأولى ان لا يقول ذلك أيضا الا بعد وضوح الحكم. (معاني الأخبار) مسندا إلى رجل من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن قول الله عز وجل في قصة إبراهيم (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون) قال ما فعله كبيرهم ولا كذب إبراهيم (ع) لأنه قال فاسألوهم إن كانوا ينطقون إن نطقوا فكبيرهم فعل، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم فما نطقوا وما كذب إبراهيم، فقلت قوله عز وجل في يوسف (أيتها العير انكم لسارقون) قال إنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى انه قال لهم حين قال ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولم يقل سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه، فقلت قوله (اني سقيم) قال ما كان إبراهيم سقيما وما كذب إنما كان سقيما مرتادا. وقد روى أنه عنى بقوله اني سقيم أي سأسقم وكل ميت سقيم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله (انك ميت) أي ستموت.
وقد روي أنه عنى اني سقيم بما يفعل بالحسين بن علي عليهما السلام.
وفي تفسير علي بن إبراهيم: سئل أبو عبد الله (ع) عن قول إبراهيم هذا ربي لغير الله، هل أشرك في قوله هذا ربي قال من قال هذا اليوم فهو مشرك ولم يكن من إبراهيم شرك وإنما كان في طلب ربه. (وفي قوله) (وما كان استغفار
مخ ۱۶
إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه) قال إبراهيم لأبيه إن لم تعبد الأصنام استغفرت لك فلما لم يدع الأصنام تبرء منه.
(عيون الاخبار) مسندا إلى علي بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (ع) فقال له المأمون يا بن رسول أليس من قولك ان الأنبياء معصومون؟ قال بلى قال فما معنى قول الله عز وجل (وعصى آدم ربه فغوى) فقال (ع) ان الله تبارك وتعالى قال لآدم (ع): (أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين ولم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وانما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما وأقسم لهما اني لكما من الناصحين ولم يكن آدم وحوا شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فدلاهما بغرور فأكلا منها ثقة بيمينه بالله وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به النار وانما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله عز وجل وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال الله عز وجل (فعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه فتاب عليه وهدى) وقال تعالى (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين). فقال له المأمون فما معنى قول الله عز وجل (فلما اتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما اتاهما) فقال الرضا (ع) ان حوا ولدت لآدم خمسمائة بطن في كل بطن ذكرا وأنثى وان آدم وحوا عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا لئن آتيتنا صالحا من النسل خلقا سويا برئا من الزمانة والعاهة كان ما اتاهما صنفين صنفا ذكرانا وصنفا إناثا فجعل الصنفان لله تعالى شركاء فيما أتاهم ولم يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل فتعالى الله عما يشركون. فقال المأمون أشهد انك ابن رسول الله حقا.
فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) فقال الرضا أن إبراهيم وقع على ثلاثة أصناف: صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه فلما جن
مخ ۱۷
عليه الليل رأى الزهرة فقال ربي على الانكار والاستخبار فلما أفل الكوكب قال لا أحب الآفلين لأن الأفول من صفات الحدث لا من صفات القديم فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي على الانكار والاستخبار فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكون من القوم الضالين فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر على الاستخبار لا على الاخبار والاقرار فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس اني برئ مما تشركون اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، وإنما أراد إبراهيم (ع) بما قال أن يبين لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لا تحق لمن كان بصفة الزهرة والقمر والشمس وانما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض وكان ما احتج به على قومه مما ألهمه الله عز وجل وأتاه وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه. فقال المأمون لله درك يا بن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال الرضا عليه السلام ان الله تعالى أوحى إلى إبراهيم (ع) اني متخذ من عبادي خليلا إن سألني احياء الموتى أجبته فوقع في نفس إبراهيم (ع) انه ذلك الخليل فقال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلة قال خذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم فأخذ إبراهيم نسرا وبطا وطاوسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزءا وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم (ع) عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله فقال إبراهيم (ع) بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير. قال المأمون:
بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل (فوكزه موسى فقضى
مخ ۱۸
عليه قال هذا من عمل الشيطان). قال الرضا عليه السلام: ان موسى (ع) دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء فوجد فيها رجلان يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فقضى موسى (ع) على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات فقال هذا من عمل الشيطان يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين لا ما فعله موسى (ع) من قتله انه يعني الشيطان عدو مضل مبين.
(قال المأمون) فما معنى قول موسى رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي؟ قال:
يقول اني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاغفر لي اي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له انه هو الغفور الرحيم قال موسى رب بما أنعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن أكون ظهيرا للمجرمين بل أجاهد في سبيلك بهذه القوة حتى ترضى عني فأصبح (ع) في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر قال له موسى انك لغوي مبين قاتلت رجلا بالأمس وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك وأراد ان يبطش به فلما أراد ان يبطش بالذي هو عدو لهما وهو من شيعته قال يا موسى أتريد ان تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد إلا ان تكون جبارا في الأرض وما تريد ان تكون من المصلحين. قال المأمون: جزاك الله خيرا يا أبا الحسن فما معنى قول موسى لفرعون (فعلتها إذا وانا من الضالين). قال الرضا عليه السلام ان فرعون قال لموسى لما اتاه وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين بي، قال موسى فعلتها إذا وانا من الضالين عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مدائنك ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد (ألم يجدك يتيما فآوى) يقول ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس، ووجدك ضالا يعني عند قومك فهدى اي هداهم إلى معرفتك، ووجدك عائلا فأغنى يقول أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا. قال المأمون: بارك الله فيك يا بن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني انظر إليك قال
مخ ۱۹
لن تراني) الآية.. كيف يجوز ان يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأل هذا السؤال. فقال الرضا (ع) ان كليم الله موسى بن عمران علم أن الله تعالى عز أن يرى بالابصار ولكنه لما كلمه الله تعالى وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم ان الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة الف رجل اختار منهم سبعمائة ثم اختار من السبعمائة سبعين رجلا لميقات ربه فخرج إلى طور سينا فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى (ع) إلى الطور وسأل الله تبارك وتعالى ان يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وامام لان الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن لك بأن الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا انك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا انك لو سألت الله أن يراك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى يا قوم ان الله لا يرى بالابصار ولا كيفية له وانما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى يا رب انك قد علمت مقالة بني إسرائيل وأنت اعلم بصلاحهم فأوحى الله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى يا رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه وهو يهوي فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل بآية من آياته جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي وانا أول المؤمنين منهم بأنك لا ترى. فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه). فقال الرضا (ع) لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لأيهم بذنب
مخ ۲۰
ولا يأتيه وقد حدثني أبي عن أبيه عن الصادق (ع) قال همت به أن تفعل وهم بأن لا يفعل. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه). قال الرضا (ع) ذاك يونس بن متى ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن ان لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه رزقه، ومنه قوله تعالى (وأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه) أي ضيق وقتر فنادى في الظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة الحوت أن لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله له وقال عز وجل (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا). قال الرضا (ع) يقول الله حتى استيأس الرسل من قومهم ان الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر). قال الرضا عليه السلام لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما فلما جاءهم (ص) بالدعوة إلى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا ان هذا لشئ عجاب وانطلق الملأ منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق فلما فتح الله على نبيه (ص) مكة قال له يا محمد إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه في ذلك عندهم مغفورا بظهوره عليهم. فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل (عفا الله عنك لم أذنت لهم). قال الرضا (ع) هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جاره خاطب الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وأراد به أمته وكذلك قول الله عز وجل
مخ ۲۱