والذي يعنينا في هذه الأحرف: أن المؤلف استقى مادة كتابه-ولا سيما تراجم أهل اليمن خاصة-من مصادر متنوعة وثيقة، حبرتها أنامل يمنية؛ ك «كتاب السلوك» للجندي، و«طراز أعلام الزمن» للخزرجي، و«تحفة الزمن» للأهدل، و«الجوهر الشفاف» للخطيب، و«البرقة المشيقة» لعلي بن أبي بكر، و«طبقات الخواص» لشهاب الدين الشّرجي الزبيدي، و«تاريخ ابن حسان»، وهو مصدر نفيس، ولكنه في عداد الكتب المفقودة التي لم تعرف إلا بالنقل من نصوصها في هذه «القلادة».
وخلاصة القول: إن هذا الكتاب الموسوم ب «قلادة النحر» تميز بالخصائص التالية:
١ - تميز بتنوع التراجم؛ فهو لم يعن بتراجم طبقة معينة، ولم يقتصر على زمن دون آخر، ولم ينتق تراجم قطر خاص، فقد حلت «قلادته» جيد التاريخ، وأشرقت في نحر الأعيان؛ من محدثين وفقهاء، وخلفاء ووزراء، وشعراء وأدباء، وملوك وسلاطين، وقواد وفاتحين، وقضاة ونحاة، وزهاد وعباد، اغترف من بحر الحقائق دون مواربة، ونطق قلمه بالصدق دون تلعثم، وكشف عن محيا الحقيقة، فتجلت في أبهى حللها، وقيد في «قلادته» من الفوائد النفيسة ما يزري باللؤلؤ المنظوم؛ لأن تفنن فكره وتنوع معارفه كان لهما أثر خلاب؛ إذ سكب من تلك المعارف في طروسه، فبهر أولي الألباب؛ لما ضمه فيها من نفائس مستجادات، وتحليلات واستنتاجات.
٢ - إن الترتيب الزمني اعتمد فيه على السنين؛ فافتتح كتابه من فاتحة التاريخ الهجري سنة (١ هـ) إلى عصر المؤلف سنة (٩٢٧ هـ)، وهو إذ قسمه إلى وحدات مئوية .. فإنه جزء الوحدة إلى خمسة أقسام، كل قسم يضم طبقات عشرين سنة، والعشرون ذاتها جعلها شطرين: الأول خصصه للتراجم مرتبة على الوفيات، والثاني في الحوادث ورتبها على السنين، وهذه الطريقة التي سلكها في الترتيب من أوليات «القلادة»؛ إذ هو ابتكار غير مسبوق، ونظام لم ينسج على منواله السابقون.
وهو في خضم نقش التراجم لم يميز تراجم اليمنيين عمن سواهم من الأقطار الأخرى، بل كانت التراجم خليطا من هؤلاء وأولئك، فالكل على بساط التاريخ سواسية، فلا تحيز ولا عاطفة ميالة، وكأن يراعة الشيخ تقول: (وكل إناء بالذي فيه ينضح).
٣ - وكما كان للمؤلف مصادر يستقي منها تراجمه لأهل اليمن .. كذلك كانت له مصادر وثيقة متنوعة اعتمد عليها للتراجم العامة، ومن أبرزها: كتب مؤرخ الإسلام الذهبي،
1 / 8