فزع الناس أشد الفزع، وهبوا هاربين كأنما هم في يوم الحشر الأعظم، أو نهر انهارت سدوده فتدافقت لججه، وانتشروا في نواحي المدينة، وفي لمح البصر، ذاع النبأ في «رومية»، حتى لم يبق فيها حجر واحد لم يسمع بمصرع قيصر، وعم الرعب المدينة، وسادها الفزع الأعظم؛ فأغلقت الحوانيت، وسدت النوافذ، وغلقت الأبواب، ليخفي كل إنسان أكنته «رومية» في ذلك اليوم، ما ناله من خوف واضطراب، لقد علم الرومان أن كارثة حلت بهم، وأنه على إثر «قيصر» سوف تذهب أرواح وتطيح رءوس. •••
كان هذا الحادث نهاية أحلام «كليوبطرا» الذهبية؛ فخيل إليها أن هاوية سوداء فتحت تحت قدميها، وابتلعت في جوفها العميق الهاوي كل مستقبلها، لقد تبدلت الدنيا المخضوضرة الزاهية، في لحظة واحدة، صحراء قفر مجدبة.
وهنالك على ضفاف نهر «التيبر»، كانت تعدو شراذم من الجند شكت السلاح، وهي تلوح بشارات عليها صور عظام جماجم بشرية، ذلك رمز الحرية الرومانية.
ها هم قد وقفوا قليلا بجوار منزل «قيصر »، ومن حناجرهم القوية صدرت هتافات، أفسدت على الطبيعة بهاء يومها الربيعي . - لتسقط المرأة المصرية! اقتلوها! اقتلوها!
كانت هذه الأصوات عين الأصوات التي ترسلها الحناجر البشرية، في كل ثورة من الثورات التي شهدت فظاعتها البشرية على طول السنين والأحقاب.
هنالك من حول الملكة نفر من الخدم والعبيد، مصممين على أن يدافعوا عنها حتى الموت، ولكن الموقف كان أجل من أن يترك في رءوسهم عقولا يفكرون بها، أو قلوبا يصمدون بها في القتال.
كان هنالك رجل واحد لم تخنه شجاعته يوما، ولا فارقه عقله ساعة، مهما ادلهم الخطب، أو تنكرت الأقدار، هنالك كان «أفوللودورس»: فسارع إلى القول: ينبغي لجلالتك أن تغادري هذه المدينة الدموية بغير إبطاء.
غير أنه لم يكن من طبع «كليوبطرا» أن تخضع للتهديد أو تنحني للوعيد، فثارت على نصيحة أستاذها وعاندت في تنفيذها، كانت فطرتها تحملها على أن تقاوم هذه الجماهير.
من ذا الذي يدري، لعل هناك بقية من أمل، أن «قيصر» لا بد من أن ينتقم له منتقمون! فإن حزبا على رأسه «أنطونيوس» قد تكون سراعا والتأمت وحداته، لقد أحب «أنطونيوس» قائده «قيصر» وقدسه ... ولعله ينفذ وصيته فيعترف «بقيصرون» ابنه منها ووريثه في ...
ما كانت هذه الأماني غير أحلام، أحلام إن تمادت فيها «كليوبطرا» فقد تودي بها، بل ربما أودت بها وبقيصرون.
ناپیژندل شوی مخ