[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا من جعلني من متبعي الشرع القويم، أسألك أن تصلي على رسولك الذي أنزل عليه القرآن الكريم، وعلى آله وصحبه ذوي الفضل العظيم.
وبعد:
فيقول خادم كلام الله الباري أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الأنصاري: هذه رسالة مسماة ب
((قوت المغتذين بفتح المقتدين))
متضمنة لما يتعلق بفتح المقتدي للإمام.
مشتملة على: مقدمة، ومسائل، وخاتمة نختم بها الكلام، اللهم اجعلها نافعة للخواص والعوام، وذخيرة لي يوم القيامة، وأدخلني بها دار السلام.
- مقدمة? -
في أنه هل يجوز الفتح على الإمام أم لا؟
اعلم أن القياس يقتضي أن لا يجوز فتح المقتدي على إمامه ولا أخذ الإمام منه، لكنا جوزناه استحسانا.
أما القياس، فمن وجوه :
مخ ۸
الأول: أن فتح المقتدي يتضمن قراءة القرآن، وهي ممنوعة له؛ لما روى محمد بن الحسن(1) في ((الموطأ)): عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا(1).
وقال علي رضي الله عنه: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة، رواه عنه: ابن(2)أبي شيبة(3)، وعبد الرزاق(4).
ومن هاهنا قال أصحابنا: لا يقرأ المؤتم خلف الإمام، بل يسمع وينصت، وتحقيقه في ((فتح القدير))(5)، وغيره(6).
والثاني: أن الفتح يشبه التكلم، وهو مفسد للصلاة ولو سهوا.
مخ ۹
والثالث: أنه تعليم للغير والأخذ منه تعلم من الغير، وكل ذلك مفسد، ومما يؤيد القياس ما رواه أبو داود(1)عن عبد الوهاب بن نجدة، عن محمد بن يوسف الفريابي، عن يونس بن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا علي، لا تفتح على(2)إمامك في الصلاة)).قال أبو داود:لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها. انتهى(3).
وأما الاستحسان فهو أن السهو والنسيان غالب على الإنسان، فلو لم يجز الفتح؛ لوقع الحرج، والمقتدي والإمام كلاهما مضطران إلى إصلاح صلاتهما، فكان هذا من أعمال الصلاة، كيف لا؟
وقد روى أبو داود وابن حبان(4)عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة فلبس عليه، فلما فرغ قال لأبي بن كعب: أشهدت الصلاة معنا، قال: نعم، قال: فما منعك))(5).
مخ ۱۰
وروى أبو داود عن المسور بن يزيد الهالكي(1)رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الصلاة فترك شيئا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هلا أذكرتنيها، قال: كنت أراها نسخت))(2).
وروى الحاكم(3)عن أنس رضي الله عنه قال: ((كنا نفتح الأئمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم))(4).
مخ ۱۱
وقد صرح الحاكم وغيره من أئمة الحديث بأن قول الصحابي: كنا نرى كذا، وكنا نفعل كذا، أو نقول كذا مقيدا بعهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم له حكم المرفوع، وصححه الأصوليون(1)، كالإمام فخر الدين الرازي(2)وسيف الدين الآمدي(3).
وقال ابن(4)الصلاح(5): عليه الاعتماد لأن ذلك مشعر بأن رسول الله اطلع عليه وقرره على ذلك، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة(6).
مخ ۱۲
وفي ((البناية شرح الهداية)) للبدر العيني(1): قد صح عن عبد الرحمن السلمي أنه قال: قال علي رضي الله عنه: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، ذكره ابن أبي شيبة(2).
وعن عطاء: لا بأس به(3).
وذكر ابن أبي شيبة في ((مصنفه))(4): عن نافع، قال: صلى بنا ابن عمر فتردد ففتحت عليه فأخذ.
وما نقل عن ابن(5)قدامة(6)أنه قال: قال أبو حنيفة: إن فتح على الإمام بطلت صلاته ليس بصحيح. انتهى كلامه(7).
مخ ۱۳
وفي (( الإصابة في أحوال الصحابة )) للحافظ ابن حجر(8) : حكى قتادة(1): أن حمران بن أبان(2)مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه يصلي خلف عثمان فإذا توقف فتح عليه. انتهى(3).
وروى مالك(4)في ((الموطأ)): عن يزيد بن رومان(5)، أنه قال: كنت أصلي إلى جانب نافع بن جبير بن مطعم(6)، فيغمزني فأفتح عليه، ونحن نصلي(7).
* * *
- مسألة -
اختلف المشايخ في ما إذا قرأ الإمام مقدار ما يجوز به الصلاة
أو انتقل إلى آية أخرى ففتح، هل تفسد صلاته؟
قال بعضهم: نعم ؛ ولو أخذ الإمام فتحه تفسد صلاته أيضا.
وكذا اختلف في ما إذا قرأ الإمام مقدار ما يجوز به الصلاة وتوقف، ولم ينتقل إلى آية أخرى ففتحه المقتدي، هل تفسد صلاته؟
قال بعضهم: نعم، واستدلوا على ذلك بأن الفتح إنما جوز للضرورة ولا ضرورة في هذه الصورة.
مخ ۱۴
لكن الأصح أنه لا تفسد صلاة الفاتح ولا المستفتح في ما إذا فتح المقتدي إمامه مطلقا. نعم؛ الامتناع عن الفتح والاستفتاح أولى عند عدم الضرورة الملجئة، كذا في ((النهر الفائق))(1)، و((ملتقى الأبحر))(2)وغيرهما(3)، وفي ((مجمع الأنهر)): وعليه الفتوى(4).
قلت: ويدل عليه حديث أبي داود الذي ذكرنا أيضا، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما ترك آية، وقال له: رجل تركت آية كذا وكذا، قال له :((هلا أذكرتنيها))(5)، فلو لم يكن مطلق الفتح جائزا لما حضضه على الفتح مع قراءته قدر ما يجوز به الصلاة.
وفي ((الكافي))(6): إن فتح على إمامه لا تفسد لقوله عليه الصلاة والسلام : ((إذا استطعمك الإمام فأطعمه))(7)أي اذا استفتحك الإمام فافتح عليه، قالوا: هذا اذا ارتج عليه قبل أن يقرأ قدر ما يجوز به الصلاة أو بعد ما قرأ ولم يتحول إلى آية أخرى.
أما إذا تحول ففتح عليه تفسد صلاة الفاتح، لأنه تعاير(8)بلا حاجة والصحيح أنه لا تفسد. انتهى.
* * *
- مسألة -
مخ ۱۵
لا ينبغي للإمام أن يلجئ المقتدي إلى الفتح، بل يركع إن كان قد
قرأ قدر ما تجوز به الصلاة، أو ينتقل إلى آية أخرى، كذا في ((فتاوي قاضي خان))(1).
وفي ((غنية المستملي شرح منية المصلي))(2): اذا ارتج على الإمام في القراءة ينبغي أن يركع إن كان قرأ القدر المسنون، أو ينتقل إلى آية أخرى إن لم يكن قرأه، ولا يحوج القوم إلى أن يفتحوا عليه، فإن أحوجهم إلى ذلك بأن وقف ساكتا أو مكررا، ولم يركع، ولم ينتقل كره ذلك؛ لأنه ألزمهم بزيادة في صلاتهم. انتهى(3).
* * *
- مسألة -
ينبغي للمقتدي أن لا يعجل في الفتح ،فلو انتقل الإمام إلى آية
أخرى، أو قرأ مقدار ما يجوز الصلاة، لا ينبغي له أن يفتح ما لم يلجئه الإمام، كذا في ((فتاوي قاضي خان))(4).
وفي ((البزازية))(5): قرع الباب فسبح لإعلام أنه في الصلاة، أو عطس رجل فقال المصلي: الحمد لله رب العالمين، أو فتح على إمامه، وقد قرأ مقدار ما يجوز به الصلاة أو تنحنح بلا سبب يكره.انتهى(6).
مخ ۱۶
وفي ((البحر الرائق))(1): قالوا: يكره للمقتدي أن يفتح من ساعته، وكذا يكره للإمام أن يلجئه، واختلفت الرواية في أوان الركوع.
ففي بعضها اعتبروا الأوان المستحب.
وفي بعضها اعتبروا فرض القراءة ، يعني إذا قرأ مقدار ما يجوز به
الصلاة ركع،كذا في ((السراج الوهاج))(2). انتهى.
وفي ((رد المحتار))(3): يكره أن يفتح المقتدي من ساعته، كما يكره للإمام أن يلجئه، بل ينبغي له أن يركع إذا قرأ قدر الفرض، كما جزم به الزيلعي(4)وغيره.
وفي رواية: قدر المستحب، كما رجحه الكمال(5)بأنه الظاهر من الدليل(6)، وأقره في ((البحر))(7)، و((النهر))، ونازعه في ((شرح المنية))(8)، ورجح قدر الواجب لشدة تأكده. انتهى(9).
مخ ۱۷
قلت: استظهر الطحطاوي(1)في حاشية ((مراقي الفلاح))(2): اعتبار القدر المستحب، وهو الأظهر بالنظر الدقيق، فإن قراءة القدر المسنون أيضا من ضروريات الصلاة حتى يكره الصلاة بتركها.
والفتح قد رخص فيه الشارع فلا بأس بإلجاء الإمام مقتديه، وفتح المقتدي قبل قراءة ما يسن في الصلاة، فافهم.
- مسألة -
لو فتح غير المصلي مصليا فأخذ المصلي فتحه إماما كان أو
منفردا، فسدت صلاته إلا إذا كان تذكره قبل تمام الفتح، فأخذ في القراءة قبل تمام الفتح، كذا في ((الدر المختار))(3).
والوجه فيه أن التعلم من الغير مفسد للصلاة، ولهذا قال العيني في شرح ((الهداية))وغيره:أنه لو قرأ من المحراب فسدت صلاته إن لم يكن حافظا للقرآن لكونه تعلما من الخارج،فإذا أخذ المصلي ممن هو غير صل، تعلم منه فيفسد صلاته، وهذا إنما يستقيم لو أخذ في التلاوة بعد الفتح وإلا فلا.
وقال الزاهدي في ((القنية))(4)ناقلا عن الظهير المرغيناني: ارتج على الإمام ،ففتح عليه من ليس معه في الصلاة وتذكر،فإن أخذ في التلاوة قبل تمام الفتح لم تفسد صلاته،وإلا تفسد؛لأن تذكره يضاف إلى الفتح.انتهى.
مخ ۱۸
واعترض عليه العلامة ابن أمير حاج الحلبي(1) في ((حلبة المجلي شرح منية المصلي)): بقوله فيه نظر لأنه إن حصل التذكر والفتح معالم يكن التذكر ناشئا عن الفتح، ولا وجه لإفساد الصلاة بتأخر شروعه في القراءة عن تمام الفتح، وان حصل التذكر بعد الفتح قبل إتمامه، فالظاهر أن التذكر ناشئ(2)منه، ووجبت إضافة التذكر إليه، فتفسد بلا توقف للشروع في القراءة على إتمامه. انتهى كلامه ملخصا.
وقال ابن عابدين في ((رد المحتار)): الذي ينبغي أن يقال إن حصل التذكر بسبب الفتح تفسد مطلقا، أي سواء شرع في التلاوة قبل تمام الفتح أو بعده؛ لوجود التعلم، وإن حصل تذكره من عند نفسه لا بسبب الفتح لا تفسد صلاته مطلقا، وكون الظاهر أنه حصل بالفتح لا يؤثر بعد تحقق أنه من عند نفسه؛ لأن ذلك من أمور الديانة لا القضاء حتى يبنى على الظاهر، ألا ترى أنه لو فتح على غير إمامه قاصدا للقراءة لا التعليم لا تفسد مع أن ظاهر حاله التعليم. انتهى(3).
قلت: هذا هو الحق لأنهم عللوا فساد الصلاة بأخذ الفتح ممن ليس معه بوجود التعلم، وهو من صفات النفس وأفعال القلب، فكل مصل يعلم ما في قلبه، فيناط عليه الحكم ولا اعتبار للظاهر.
- مسألة -
لو فتح المصلي على غير إمامه سواء كان مصليا أو لا؟
تفسد صلاة الفاتح لأنه تعليم، فكان من كلام الناس.
وهل يشترط للفساد تكرار الفتح؟
مخ ۱۹
الصحيح أنه لا يشترط بل تفسد بمجرد الفتح، وإن كان مرة واحدة، وهو الموافق ل((لجامع الصغير))(1)، و((مختصر القدوري))(2).
ويفهم من((المبسوط))اشتراط التكرار حيث قال: إذا افتتح غير مرة تفسد صلاته(3).فإنه يستفاد منه أنه لو افتتح مرة واحدة لا تفسد به الصلاة.
ووجه الصحيح أن الكلام بنفسه قاطع وإن قل، ولا يشترط لفساده التكرار، فكذا الفتح، كذا في ((الهداية))(4)، و((فتح القدير))(5)، وغيرهما.
وفي ((البحر الرائق)): فصل في ((البدائع))(6): بأنه إن فتح بعد استفتاح؛ فصلاته تفسد بمرة واحدة، وإلا تفسد بالتكرار، وهو تفصيل خلاف المذاهب. انتهى.
وفيه أيضا: هذا كله على قول أبي حنيفة ومحمد، وأما على قول أبي يوسف: فلا تفسد صلاة الفاتح، لأنه قرآن فلا يتغير بقصد القارئ. انتهى(7).
مخ ۲۰
وتفصيل المرام في هذا المقام على ما في ((جامع المضمرات))(1)وغيره: أن الكلام على ثلاثة أقسام:
ما يكون عينه ومعناه كلاهما كلاما، وهذا القسم يفسد الصلاة إتفاقا، وإن قل أو وقع سهوا.
وما لا يكون عينه ولا معناه خطابا وكلاما كالأذكار، وهذا القسم لا يفسد الصلاة مطلقا، ولو وقع في غير موقعه، كما إذا قرأ في الركوع أو السجود أو في التشهد، نعم؛ إن فعل ذلك سهوا تجب عليه سجدة السهو.
وما يكون عينه ذكرا ومعناه كلاما بأن خرج مخرج الجواب أو التعليم، وهذا هو محل الخلاف فعندهما يفسد، وعند أبي يوسف لا يفسد لأنه ذكر حقيقة فلا يتغير بقصد الذاكر، فلو سمع اسم الله عز وجل، فقال في الصلاة: جل جلاله، أو سمع اسم النبي عليه الصلاة والسلام فصلى عليه، أو سمع رعدا أو برقا فسبح، أو سمع خبرا سارا فحمد الله تعالى تفسد صلاته في جميع هذه الصور عندهما خلافا لأبي يوسف.
ومن هذا القبيل ما إذا أخبره أحد بموت أحد، فقال في جوابه: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقيل: تفسد صلاته في هذه الصورة إتفاقا، والأصح أنه أيضا على الخلاف، صرح به إبراهيم الحلبي في ((غنية المستملي))(2).
ومن هذا الجنس مسألة التشميت فإنه لو أجاب المصلي عاطسا، وقال: يرحمك الله تفسد صلاته عندهما لا عند أبي يوسف، ونظائرها كثيرة شهيرة.
مخ ۲۱
وقال العيني في شرح ((الهداية)): أن الصحيح في جنس هذه المسائل قول أبي حنيفة ومحمد. انتهى.
فظهر أن الصحيح هو فساد الصلاة فيما إذا فتح غير إمامه.
فإن قلت: كيف يصح قولهما بتغيير الذكر عن كونه ذكرا بنية المتكلم مع أنه لو استأذن المصلي أحد، فسبح إعلاما له لا تفسد صلاته إتفاقا؛ لورود الأثر في ذلك، وهو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إذا نابت أحدكم نائبة، فليسبح))(1).
رواه أصحاب الصحاح والسنن.
فما الفارق بين التسبيح للرجال بقصد الإعلام وبين المسائل المذكورة حيث لا يقولان بالفساد في الأول مع تغير النية، ويقولان: بالفساد في الثاني.
مخ ۲۲
قلت: القياس أن تفسد الصلاة في هذه الصورة أيضا، لكنا تركناه؛ لورود الأثر، فلا يقاس عليه غيره، كذا في ((مبسوط شيح الإسلام))(1).
واعلم أن خلاف أبي يوسف إنما ذكر في المسائل التي ذكرناها آنفا، وأما في مسألة الفتح على غير إمامه فلم يذكر في عامة الكتب فيقتضي أنها(2)مسألة اتفاقية، لكنهم استخرجوا فيها الخلاف أيضا قياسا على نظائرها، ولهذا قال في ((الذخيرة))(3): قال بعض مشايخنا: ما ذكر من الجواب في ما إذا أراد به التعليم يجب أن يكون قول أبي حنيفة ومحمد.
وأما على قول أبي يوسف فينبغي أن لا يفسد ؛ لأنه قرآن فلا يتغير بقصد القارئ. انتهى.
مخ ۲۳
وهذا صريح في أنهم لم يظفروا بتصريح الخلاف في هذه المسألة، لكنهم قاسوها؛ وهذا هو الذي بعث صاحب ((البحر الرائق))(1)فذكر الخلاف جزما كما مر نقله(2)، ثم رأيت في ((غنية المستملي)): قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: وأقرب ما ينقض كلامه ما وافق عليه أبو يوسف من الفساد بالفتح على غير إمامه، فهو قرآن، وقد تغير إلى وقوع الفساد به بالعزيمة.انتهى.
وهذا صريح في أن المسألة التي نحن فيها اتفاقية، وهو الأصح، وأفاد قول الكمال: أقرب ما ينقض ...الخ، أن قول أبي يوسف قد ينقض بغيره أيضا وهو ما ذكره قاضي خان في ((فتاواه)): من أنه لو كان عنده رجل يسمى بيحيى فقال المصلي: { يايحيى خذ الكتاب بقوة } (3) أو كان هناك رجل مسمى بموسى فقال: { وما تلك بيمينك يا موسى } (4)، إن قصد به قراءة القرآن لا تفسد صلاته بالاتفاق، وإن قصد به الخطاب تفسد في قولهم جميعا. انتهى(5).
والحاصل أن أبا يوسف لم يخالف الطرفين في المسألة التي نحن فيها،
فهي إتفاقية، ولو ثبت خلافه فيها كخلافه في نظائرها، فهو منقوض بمسألة الخطاب بقوله: { يا يحيى } حيث حكم أبو يوسف أيضا هناك بالفساد.
ومع قطع النظر عن كونه منقوضا، الفتوى إنما هي(6)على قول الطرفين لا على قوله كما ذكره العيني في مواضع من شرح ((الهداية)).
بقى ها هنا أمر آخر، وهو أنهم بأجمعهم ذكروا أن فساد صلاة الفاتح في ما نحن فيه ونظيره؛ إنما هو إذا أراد الفاتح الفتح.
مخ ۲۴
وأما إذا أراد قراءة القرآن لا تفسد صلاته لعدم وجود التعليم، ولم يذكروا حكم صلاة الآخذ، إن أخذ من الفاتح القاصد للقراءة، هل تفسد أم لا؟
والحق هو الفساد لوجود التعلم في حقه، فإنه إنما لم تفسد صلاة الفاتح هاهنا ؛ لأنه لم ينو الفتح بل نوى القراءة، فلم يوجد التعليم المفسد منه، ومناط فساد صلاة الآخذ إنما هو التعلم، وهو موجود على كل حال لا يتغير بتغير قصد الفاتح، فتفسد صلاته قطعا، نعم لو حصل له التذكر من نفسه لا من قراءته لا تفسد، كما مر تفصيله(1).
وفي ((كنز الدقائق))(2)في ذكر مفسدات الصلاة: وفتحه على غير إمامه. انتهى(3).
قال العلامة سراج الدين عمر بن نجيم المصري في((النهر الفائق)): هو
شامل لفتح المقتدي على مثله، وعلى المنفرد، وعلى غير المصلي، وعلى إمام آخر، ولفتح الإمام والمنفرد على أي شخص كان إن أراد به التعليم دون التلاوة. انتهى.
* * *
- مسألة -
إذا فتح المصلي على غير إمامه وهو مصل سواء كان مصليا بصلاته أو بغير صلاته، فأخذ فتحه تفسد صلاتهما.
أما صلاة الفاتح فلما مر(4).
مخ ۲۵
وأما صلاة المستفتح فلوجود التعلم، كذا في ((النهاية))(1)، و((البناية))(2)، وهكذا في ((الخلاصة))(3)، و((البحر))(4)، و((الدر المختار))(5)، وغيرهم.
وفي ((الذخيرة)): هل تفسد صلاة المستفتح في هذه الصورة، وهو ما
إذا لم تكن الصلاة واحدة؟
لم يذكر محمد في شيء من الكتب، وذكر الشيخ الإمام الزاهد الصفار(6)في شرح كتاب الصلاة: أنها تفسد لأنه انتصب متعلما، لأن المستفتح كأنه يقول لغيره بعدما قرأه، فإذا نسيت فذكرني ألا يرى أنه فسدت صلاة الفاتح؛ لأنه انتصب معلما. انتهى.
مخ ۲۶
قلت: ولا تصغ إلى ما في ((جامع الرموز))(1)، و((مجمع الأنهر))(2): من أنه لا تفسد صلاة المفتوح عليه، فإنه مخالف لما اتفقت عليه كلمات عامتهم من أنه تفسد صلاة الفاتح والمستفتح كليهما لوجود التعليم والتعلم.
* * *
- مسألة -
لو سمع المؤتم ممن ليس معه في الصلاة، ففتحه على إمامه تبطل
صلاة الكل لوجود التلقين من خارج، كذا في ((القنية)) ناقلا عن الظهير المرغيناني(3)، وأقره في ((النهر الفائق))، و((الدر المختار))(4)، وغيرهما.
ووجهه أن المؤتم لما تلقن من الخارج بطلت صلاته، فإذا فتح به على إمامه وأخذ منه بطلت صلاته، وإذا بطلت صلاته بطلت صلاة باقي المقتدين لا محالة.
* * *
- مسألة -
حادثة الفتوى لو أخذ المؤتم من المصحف وهو بين يديه، وفتح به إمامه وأخذه هل تفسد صلاتهم؟
قد سئلت عنه مرارا، فأفتيت بأنه ذكر مولانا الهداد الجونفوري(5)في حاشية ((الهداية)): بأن الأخذ من المصحف كالأخذ من الغير، فصارت هذه الصورة نظير الصورة المذكورة في ((القنية))، فتفسد صلاة الكل بلا ريب.
مخ ۲۷