مقدمة المؤلف بسم الله الرحيم الرحيم الحمد لله تعالى والصلاة على رسوله وآله تتوالى.
قد بالغ علماء العامة في الثناء على الصحيحين أعني صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، وصحيح مسلم بن الحجاج القشيري، وذكروا أنهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم والفرقان العظيم، وحكى جماعة منهم اجماع الأمة على صحة الأحاديث المودعة فيهما، وتلقيهم إياهما بالقبول (1)، بل تعدى جماعة من محققيهم لاثبات كون أخبارهما مقطوعة الصدور عن سيد البشر صلى الله عليه وآله، بل ذكروا تصحيح النبي صلى الله عليه وآله، كتاب البخاري، وإذنه في روايته عنه، بل كتاب مسلم أيضا كما ستعرف تفصيل ذلك كله، وشنع جماعة منهم على الشيعة في تركهم العمل بأخبارهما، وعدم اعتمادهم عليهما، قال صاحب النواقض وهو الشهير: بالميرزا مخدوم الشريفي حفيد السيد الشريف في كتابه: من هفواتهم يعني الشيعة إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقت الأمة بقبولها منها: صحيحا البخاري، ومسلم الذين مر ذكرهما.
قال أكثر علماء المغرب: أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح مسلم بن الحجاج القشيري (2).
مخ ۱۵
وقال الأكثرون من غيرهم: صحيح محمد بن إسماعيل البخاري هو الأصح، وما اتفقا عليه، هو ما اتفق عليه الأمة، وهو الذي يقول فيه المحدثون كثيرا: صحيح متفق عليه، ويعنون به اتفاقهما، لا اتفاق الأمة، وان لزمه ذلك (1)، واستدل (السيوطي) في الأزهار] المتناثرة في الأحاديث المتواترة، في كثير من مواردها على الصحيحين، ثم قال في تدريبه بعد كلام النووي: «اتفاق الشيخين» وذكر الشيخ: يعني ابن الصلاح (أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه) قال: خلافا لمن نفى ذلك، محتجا بأنه لا يفيد إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول (2) لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ.
وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويما، ثم بان لي أن الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن الظن من هو معصوم من الخطاء لا يخطئ، والأمة في [(3)
مخ ۱۶
إجماعها معصومة عن الخطاء، ولهذا كان الإجماع المبنى على الاجتهاد حجة مقطوعة بها، وقد قال إمام الحرمين: لو حلف انسان بطلاق امرأة أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لزمه الطلاق لإجماع المسلمين على صحته (1)، ثم حكى السيوطي عن النووي انه قال: خالفه (أي ابن الصلاح) المحققون والأكثرون فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر (2). وقال: تلقى الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيها من غير توقف على النظر فيه بخلاف غير هما فلا يعمل به حتى ينظر فيه ويوجد فيه شروط الصحيح ولا يلزم من اجماع الأمة على العمل بما فيهما اجماعهم على القطع بأنه كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد اشتد انكار ابن برهان على من قال بقول الشيخ، وبالغ في تغليطه (3).
قال السيوطي: وكذا عاب ابن عبد السلام على ابن الصلاح هذا القول، ثم قال: قال البلقيني: ما قاله النووي وابن عبد السلام ومن تبعهما ممنوع، فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين مثل قول ابن الصلاح، عن جماعة من الشافعية كأبي إسحاق، وأبي حامد الإسفراييني والقاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وعن السرخسي من الحنفية، والقاضي عبد الوهاب من المالكية، وأبي يعلى وابن الزعواني من الحنابلة، وابن فورك وأكثر أهل الكلام من الأشعرية، وأهل الحديث قاطبة، ومذهب السلف عامة بل بالغ ابن طاهر المقدسي في صحة التصوف: فالحق به ما كان على شرطهما وإن لم يخرجاه، وقال شيخ الإسلام: ما ذكره النووي في شرح مسلم من جهة الأكثرين، أما
مخ ۱۷
المحققون فلا، وقد وافق ابن الصلاح أيضا المحققون (1).
ثم قال السيوطي بعد حكايته عن ابن كثير أيضا موافقة ابن الصلاح قلت: وهو الذي اختاره ولا أعتقد سواه. انتهى كلام السيوطي (2).
وقد ذهب ابن تيمية الذي يستندون بافاداته ويبتهجون بهفواته إلى قول ابن الصلاح أيضا على ما في إمعان النظر.
وقال شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في «شرح نخبة الفكر»: الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك، قال: هو أنواع:
منها: المشهور إذا كانت له طرق متبائنة سالمة من ضعف الرواة والعلل.
منها: ما أخرجه الشيخان في صحيحهما ما لم يبلغ حد التواتر، فإنه احتف به قرائن.
منها: جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح عن غيرهما، وتلقي العلماء لكتابهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر.
قال: وليس الاتفاق على وجوب العمل فقط، فإن الاتفاق حاصل على وجوب العمل بكل ما صح ولو لم يخرجه الشيخان، فلم يبق للصحيحين في هذا مزية، والإجماع حاصل على أن لهما مزية فيما يرجع إلى نفس الصحة، وممن صرح من أئمة الأصول بإفادة ما خرجه الشيخان العلم اليقيني النظري، الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، ومن
مخ ۱۸
أئمة الحديث أبو عبد الله الحميدي، وأبو الفضل بن الطاهر انتهى (1).
وبالغ بعض أواخرهم في اثبات قطعية صدور أحاديثهما حتى ألف في ذلك رسالة مستقلة سماها «غاية الإيضاح في المحاكمة بين النووي وابن الصلاح»، وأدرج هذه الرسالة في كتابه المسمى ب «الدراسات»، وأطال فيه لكنه لم يأت في الاستدلال للطرفين بغير ما عرفت في عبارة السيوطي، وحاصل تحريره لدليل ابن الصلاح: «أن تصحيح الحديث ملازم للظن بصدوره، فالإجماع على الصحة معناه حصول الظن من جميع الأمة بالصدور، وظن الأمة بأجمعهم مقطوع العصمة عن الخطاء بدليل قطعية الإجماعات الاجتهادية، ثم إنه أربى على من تقدم عليه فلم يرض بما استثناه غيره مما انتقد أحد من الحفاظ، أو وقع التجانب بين مدلوليه، فذهب إلى أن الخبرين المتناقضين كلاهما مقطوع الصدور، وعدم ظهور وجه الجمع بينهما لا يدل على عدمه في الواقع، وأما ما انتقد عليهما، فهو أيضا لم ينزل عن أعلى درجات الصحة، وهي درجة ما أخرجه الشيخان، ونفي الريب عن وجوب العمل بالمنتقد منهما من غير نظر ووقفة إلى ما يندفع به ذلك الانتقاد بمجرد إخراجهما] له وجوبا مؤكدا لا يوجد في صحيح غيره فان حكم كل حديث صحيح ولو في أدنى مراتب الصحة وجوب العمل لحصول الظن الغالب، ولكن بين ظن وظن ما يكاد يشيه ما بين اليقين والشك، فوجوب العمل هذا بمجرد اخراجهما [(2)، فكيف إذا نظر فيما أجابوا عن ذلك، وبما جعلوه هباءا منثورا، وتصدى جماعة للجواب عما
مخ ۱۹
تكلم فيه من أحاديث الصحيحين أو أحدهما بل أفرد بعضهم كتابا في ذلك وهو العراقي، وأجاب شيخ الإسلام في مقدمة شرحه عن جميع ما انتقد على البخاري» انتهى بمحصله (1).
وعثرت على كلام جماعة غير من تقدم يطول ذكرهم ذهبوا إلى ما ذهب إليه هؤلاء لا فائدة مهمة في نقل خرافاتهم، وأطرف من هذا كله ما ذكره الشيخ أحمد النخلي مفتي الحنفية، المترجم في كتاب «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» (2)، والكتاب موجود في خزانة كتب حرم المدينة المنورة، حيث قال في رسالته التي ذكر فيها مشايخه ومروياته، والرسالة موجودة في خزانة كتب حرم مكة، ما هذا لفظه:
أخبرنا شيخنا السيد السند أحمد بن عبد القادر، نفع الله تعالى به قال: أخبرنا جمال الدين القيرواني، عن شيخه الشيخ يحيى الخطاب المالكي المكي، قال: أخبرنا عمي الشيخ بركات الخطابي، عن والده، عن جده الشيخ محمد بن عبد الرحمن الخطاب شارح مختصر خليل، قال: مشينا مع شيخنا العارف بالله الشيخ عبد المعطي التنوسي، لزيارة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلما قربنا من الروضة الشريفة، ترجلنا فجعل الشيخ عبد المعطي يمشي خطوات ويقف، حتى وقف تجاه القبر الشريف فتكلم بكلام لم نفهمه، فلما انصرفنا سألناه عن وقفاته؟ فقال: كنت أطلب الإذن من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في القدوم عليه، فإذا قال
مخ ۲۰
لي أقدم، قدمت ساعة ثم وقفت، وهكذا حتى وصلت إليه فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كل ما رواه البخاري عنك صحيح؟ فقال: صحيح، فقلت: أرويه عنك يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟
فقال: أروه عني، ثم حكى النخلي إجازة عبد المعطي للخطاب، وكذا كل واحد لمن بعده حتى وصل إلى نفسه.
وأورد صاحب رسالة الدر الثمين في مبشرات النبي الأمين هذه الحكاية، ثم قال: ووجدت هذا الحديث بخط الشيخ عبد الحق الدهلوي بإسناده له عن الشيخ عبد المعطي بمعناه وفيه: فلما فرغ من الزيارة وما يتعلق بها سئل أن يروي عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - صحيح البخاري وصحيح مسلم؟ فسمع الإجازة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فذكر صحيح مسلم أيضا.
أقول: هذا كله مضافا إلى ما ذكروا في ترجمة البخاري ومسلم، وأثبتوا لهما من المحاسن الجليلة، والمآثر الأصيلة، والمفاخر الأثيلة، والمدائح العظيمة، والمحامد الجسيمة، والمكارم الفخيمة، وسنتلو عليك شطرا منها فيما بعد ان شاء الله تعالى.
مخ ۲۱
الفصل الأول الإلزامات
مخ ۲۳
المعاند وروايات المناقب ذكروا أن البخاري ألف صحيحه في بيت الحرام (1)، والتزم عند كتابة كل حديث أن يغتسل غسلا ويصلي ركعتين ثم يكتب (2)، وقد سمع صحيحه منه تسعون ألفا، ورووا عنه، وأنت إذا سمعت هذا كله، وأمعنت النظر فيها، وتأملت في مطاويها وحوافيها، فمن الآن فاستمع ما يتلى عليك ونحن نبدأ أولا بذكر جملة من التعصبات فنقول:
قد أنكر كثير من أعيان علمائهم كثيرا من الأخبار الواضحة المتضافرة بل المتواترة بطرقهم المروية، وجملة منها في صحاحهم لما رأوا فيها من الدلالة على الحق الواضح القويم، ويحسبونه هينا، وهو عند الله عظيم، وهي على ما يظهر بالتتبع كثيرة، نذكر شطرا يسيرا.
منها: بعضها مذكور في الصحاح، وبعضها مشهور مأثور في كثير من كتبهم المعتبرة المعول عليها.
أما الكبرى: فادلتها مبسوطة مشروحة في كتب الفريقين، ولنكتف من الأخبار المذكورة في كتب القوم مما يتعلق بالمقام بنبذ يسير، فالجرعة تدل على
مخ ۲۵
القدير، فنقول: يدل عليها بعد قوله تعالى، في مواضع عديدة، فمن القرآن: (قل لا أسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى) (1) وما تواتر في كتب الفريقين، من قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك.
وما رواه ابن حجر المتعصب في الصواعق، قال:
الحديث الرابع والثلاثون: أخرج الدارقطني، في الإفراد عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمنا، ومن خرج منه كان كافرا (2).
وفي مفتاح النجاة للبدخشاني، الذي هو من عظماء أهل السنة: أخرج الديلمي عن ابن عمر: علي باب حطة، الحديث (3).
وأورد السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير الذي قال في وصفه: هذا الكتاب أودعت فيه من الكلم النبوية ألوفا، ومن الحكم المصطفوية صنوفا، اقتصرت فيه على الأحاديث الوجيزة، ولخصت فيه من معادن الأثر ابريزه وبالغت في تحرير التخريج فتركت القشر وأخذت اللباب، وصنته عما تفرد به وضاع أو كذاب، ففاق بذلك الكتب المؤلفة في هذا النوع كالفائق والشهاب (4)
مخ ۲۶
وحوى من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يودع قبله في كتاب (1).
وما تواتر أيضا عند الفريقين من قوله: «إني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (2).
وما رواه الحاكم في المستدرك، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع عليا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني وقال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (3).
وروى أيضا بسند آخر عن أبي ذر: من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني (4).
مخ ۲۷
وروى أيضا، عن عمرو بن شاس حديثا في آخره قال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: بلى من آذى عليا فقد آذاني، وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (1).
قد عقد البدخشاني في مفتاح النجاة بابا: في ان الحق مع علي يدور كيف ما دار. وأورد فيه أحاديث كثيرة مما أخرجه الترمذي عن أبي يعلى والضياء عن أبي سعيد وابن مردويه عن عائشة أيضا، وعن أبي موسى الأشعري وعن أم سلمة وعن شهر بن حوشب عن أم سلمة والطبراني في الأوسط والصغير عن أم سلمة والديلمي عن عمار بن ياسر، وأبي أيوب، والحاكم، وغيرهم، وذكر بعض هذه الاخبار أيضا الشيخ عبد الحق الدهلوي في رجال المشكاة في ترجمة الأمير - عليه السلام -.
و رواه الحاكم في المستدرك بسند متصل، إلى ان قال: حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - علي بن أبي طالب بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين (2).
ورواه أيضا البدخشاني في مفتاح النجاة عن ابن مسعود، وفي كنز العمال أيضا عن ابن مسعود وفيه أيضا عن زيد بن علي عن أبيه عن جده علي - عليه السلام - أمرني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين، ورواه أيضا محمد بن طلحة الشافعي في كتاب مطالب السؤول وغيرهم في غيرها والناكثون أصحاب وقعة الجمل، والمارقون أصحاب النهروان، والقاسطون أصحاب صفين (2).
مخ ۲۸
منها: حديث المنزلة، أعني قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأمير المؤمنين - عليه السلام -: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى».
حيث أنه مروي في صحاحهم وغيرها من الكتب التي يعسر تعدادها (1)، وسنفرد لذكرها بابا على حدة، وذكره البخاري في موضعين من صحيحه بطرق ثلاثة (2)، وأورده مسلم (3)، والترمذي (4) في صحيحهما، وابن ماجة في سننه وهو أحد الصحاح الست، على ما ذكره جماعة منهم: ابن خلكان، وأورده الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (5)، والنسائي في خصائصه (6)، هؤلاء أرباب الصحاح الست، وأورده غيرهم ممن لا يحصى، وكتب القاضي علي بن المحسن التنوخي وهو من أعيان علمائهم كما يعرف من كتاب الأنساب
مخ ۲۹
للسمعاني، وتاريخ ابن خلكان، كتابا مستقلا في ذكر طرق هذا الحديث، ورواه عن أزيد من عشرين صحابيا، واعترف بكثرة طرقه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (1) وابن حجر المكي في الصواعق (2)، وقد صرح في الصواعق بتواتر حديث تعددت طرقه لكن بأقل من طرق هذا الحديث بكثير، واعترف جماعة منهم بتواتر هذا الحديث منهم العلامة السيوطي، وأورده في رسالة «الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة» (2)، وذكره ابن تيمية في المنهاج (3)، مع ولعه بالمماراة واللجاج،] وقال: [ان هذا الحديث صحيح بلا ريب.
ثم ان غاية الاستغراب ونهاية الاستعجاب أن جماعة من أساطينهم منعوا صحة هذا الحديث مع ما عرفت أن اخراج أحد الشيخين له كاف في الحكم بصحته ، وبكونه مقطوع الصدور، منهم: محققهم المدقق رئيس الحذاق المتكلمين الآمدي، ومنهم: المحقق النحرير العضدي، قال: والجواب منع صحة الحديث، ومنهم: شمس الدين الإصبهاني في شرح الطوالع، وفي شرح التجريد، قال: لا يصح الإستدلال به من جهة السند، ولئن سلم صحة السند الخ.
وابن حجر المكي مع أنه ممن ادعى الإجماع على أن الصحيحين أصح الكتب بعد كلام الله (5)، واعترف بما تقدم آنفا ذكر كلام الآمدي في مقام الجواب والرد على الشيعة، قال: وجوابها أن هذا الحديث ان كان غير صحيح كما يقول الآمدي فظاهر... الخ (4).
مخ ۳۰
ومنها: حديث الغدير، الذي لا يبلغ خبر من الأخبار درجته في كثرة الطرق، واجتمعت فيه أضعاف أضعاف شروط التواتر، واعترف ابن حجر المكي بصحة أكثر طرقه (1).
ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (2)، والترمذي (3) في صحيحه، وغيرهم ممن يتعذر استيفاء جميعهم، وقد صنف بعضهم فيه كتابا مفردا، بل عن أبي المعالي الجويني، انه يتعجب ويقول: «رأيت ببغداد في يد صحاف مكتوب عليه: هذه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق حديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون» (4)، وقد صرح العلامة السيوطي بتواتر هذا الحديث أيضا في الأزهار، ومع هذا فقد كذب هذا الخبر كثير من أعيانهم وحكموا بأنه موضوع، بل أقام جماعة كثيرة منهم أدلة عقلية ونقلية على بطلان هذا الخبر ووضعه.
منها: حديث «إن عليا مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي» رواه الترمذي (4)، والنسائي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وأبو عبد الله الحاكم (5)، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن حنبل، وابن عبد البر، وابن الأثير
مخ ۳۱
الجزري (1)، ومحب الدين الطبري، وابن حجر المكي (2)، وعلي المتقي (3)، ونور الدين السمهودي، وغيرهم، وحكم ابن تيمية وصاحب الصواقع، بكذبه وبطلانه.
ومنها: الحديث المروي في شأن نزول قوله تعالى: (إنما وليكم الله...) الآية (4) وإنه في حق أمير المؤمنين - عليه السلام -، رواه جمع كثير وجم غفير من أعيان علمائهم ومفسريهم ومحدثيهم، منهم النسائي، وابن المغازلي، وابن الجوزي، والثعلبي، والواحدي، ومحب الدين الطبري، والعلامة السيوطي، وعلي المتقي، وأبو الشيخ ، وعبد الرزاق، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن مردويه، والخطيب، وعبد بن حميد، وابن عساكر، والطبراني، والحافظ أبو نعيم، وغيرهم (5)، ومع هذا كله حكم بوضعه وبطلانه جماعة، منهم: ابن تيمية وغيره.
ومنها: حديث الطير، وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «اللهم جئني بأحب خلقك إليك فجاء علي - عليه السلام -» (6).
مخ ۳۲
رواه ابن الأثير في جامع الأصول: الستة ورزين في تجريد الصحاح الست، وأبو نعيم في حلية الأولياء، والبلاذري في التاريخ، والسمعاني في الأنساب، وابن البيع في صحيحه، وأبو يعلى في مسنده، والإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة، والنطنزي (1) في الخصائص، والنسائي في الخصائص، وابن عساكر، وابن النجار، والبغوي في المصابيح، وابن حجر في المنح المكية، ومحب الدين الطبري في ذخائر العقبى، والعلامة السيوطي في جمع الجوامع، والعلامة المتقي في كنز العمال، وابن المغازلي في المناقب، بأسانيد كثيرة، وألف ابن عقدة في طرق هذا الحديث كتابا مستقلا، وأفرد ابن مردويه أيضا فيه كتابا (2)، ومع ذلك رده ابن تيمية في المنهاج، وحكم ببطلانه، وفي صواقع الكابلي: الخبر - يعني خبر الطير - موضوع.
قال الشيخ العلامة امام أهل الحديث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن
مخ ۳۳
أحمد الدمشقي الذهبي في تلخيصه: لقد كنت زمنا طويلا أظن أن حديث الطير لم يحسن للحاكم أن يودعه في مستدركه، فلما علقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه، وممن صرح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري (1).
ومنها: حديث: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (2).
رواه كثير من الأعلام المحدثين وصرح جماعة منهم بصحته، وجماعة بحسنه، ورواه الترمذي في صحيحه (3)، ومع ذلك ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وعن البخاري أنه قال: ليس له وجه صحيح، وقال النووي أنه موضوع.
ومنها: حديث المؤاخاة (4)، المروي في مسند أحمد بن حنبل وصحيح
مخ ۳۴
الترمذي والجمع بين الصحاح الستة للعبدري وكتاب المناقب لابن المغازلي وغيرها من الكتب المعتمدة والأسفار المعتبرة، ومع ذلك ذكر ابن تيمية أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع ، وأن واضعه جاهل (1). والعجب أنه مع كونه حنبليا كيف رضي بخروج الإمام أحمد من زمرة أهل المعرفة بالحديث، مع كثرة اطرائه في مدحه، واختياره على مثل أبي حنيفة، والشافعي، لكنه نشأ من قلة تتبعه وكثرة وقاحته.
ومنها: حديث «سد الأبواب إلا باب علي» (2).
المروي في كثير من كتبهم المعتمدة منها: صحيح الترمذي، وخصائص النسائي، ومسند الأمام أحمد، ومسند البزار، وجمع الجوامع للسيوطي، وكنز العمال للمتقي، وتاريخ المدينة للسيد نور الدين السمهودي، ورواه الطبراني في الكبير، والأوسط وغيرهم (3).
مخ ۳۵
ذكر ابن تيمية أنه مما وضعه الشيعة على طريق المقابلة.
ومنها: حديث: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في بطشه، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (1).
رواه جماعة كثيرة، منهم باختلاف في بعض الألفاظ، منهم: البيهقي، والحاكم، والديلمي، وابن شاهين، وعبد الرزاق، وابن بطة، وأبو نعيم، والحافظ عمر بن محمد بن جعفر، وأبو الخير الحاكمي، والنطنزي، وابن المغازلي، ومحب الدين الطبري، والسيد على الهمداني، وغيرهم، ومع هذا حكم جماعة منهم بأنه موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - (2).
ومنها: حديث «لمبارزة علي يوم الخندق مع عمرو بن عبد ود، أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة» (3).
رواه كثير منهم: أبو القاسم السهيلي في روض الأنف، والماوردي في
مخ ۳۶