Qawaid al-Ahkam fi Masalih al-Anam
قواعد الأحكام في مصالح الأنام
خپرندوی
مكتبة الكليات الأزهرية
د خپرونکي ځای
القاهرة
ژانرونه
اصول فقه
هَذَا أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ ﵁ صَرْفَ الزَّكَاةِ إلَى الْأَصْنَافِ، لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَصَالِحِ، فَإِنَّ دَفْعَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِدَفْعِ الرِّقِّ عَنْ الْمُكَاتَبِينَ، وَالْغُرْمِ عَنْ الْغَارِمِينَ، وَالْغُرْبَةِ وَالِانْقِطَاعِ عَنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَكَذَلِكَ التَّأْلِيفُ عَلَى الدِّينِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ، وَكَذَلِكَ إعَانَةُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ تِلْوُ الْإِيمَانِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَتَرَتَّبُ الشَّرْعُ عَلَى الْفِعْلِ الْيَسِيرِ مِثْلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ الْخَطِيرِ، كَمَا رُتِّبَ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ عَلَى الْحَجِّ الْمَبْرُورِ، وَرُتِّبَ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ تَأْمِينِ الْمُصَلِّي تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، وَرُتِّبَ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ عَلَى قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، كَمَا رَتَّبَهُ عَلَى قِيَامِ جَمِيعِ رَمَضَانَ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَإِنْ تَسَاوَتْ فِي التَّكْفِيرِ فَلَا تَسَاوِي بَيْنَهَا فِي الْأُجُورِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ ﷾ رَتَّبَ عَلَى الْحَسَنَاتِ رَفْعَ الدَّرَجَاتِ وَتَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسَاوِي فِي تَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ التَّسَاوِي فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَكَلَامُنَا فِي جُمْلَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْأَعْمَالِ. فَمِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَكُونُ شَرِيفًا بِنَفْسِهِ وَفِيمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، فَيَكُونُ الْقَلِيلُ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْ الْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْخَفِيفُ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْ الشَّاقِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَابِ كَمَا ظَنَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ، بَلْ ثَوَابُهُ عَلَى قَدْرِ خَطَرِهِ فِي نَفْسِهِ، كَالْمَعَارِفِ الْعَلِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ وَالْكَلِمَاتِ الْمُرْضِيَةِ. فَرُبَّ عِبَادَةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَةٍ فِي الْمِيزَانِ وَعِبَادَةٍ ثَقِيلَةٍ عَلَى الْإِنْسَانِ خَفِيفَةٍ فِي الْمِيزَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّوْحِيدَ خَفِيفٌ عَلَى الْجَنَانِ وَاللِّسَانِ وَهُوَ أَفْضَلُ مَا أُعْطِيَهُ الْإِنْسَانُ وَمَنَّ بِهِ الرَّحْمَنُ، وَالتَّفَوُّهُ بِهِ أَفْضَلُ كُلِّ كَلَامٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُوجِبُ الْجِنَانَ وَيَدْرَأُ غَضَبَ الدَّيَّانِ، وَقَدْ صَرَّحَ ﵇
1 / 34