ومنها النفاذ. وهو حركة هاء الوصل التي تكون للإضمار. ولم يتحركْ من حروف الوصل غيرها، نحو فتحة ها أجممالها وكسرة هاء:
تجرّدَ المجنونِ عن كسائهِ
وضمَّةِ هاء:
وبلدٍ عاميةٍ أعماؤهُ
فهذا جميع ما ذكره الخليلُ من اللّوازم في القوافي من الحروف والحركات.
وفيها غير هذا لم يذكره. وهو أنَّ العربَ إذا أنشدت الشعر الذي في آخره الهاء الساكنة التي للمضمر المذكَّرِ، والبيت لا يحتاجُ إلى حركتها، حرّكوها بالضمّ، وزادوا بعدها واوًا، نحو قوله:
أخطلَ، والدّهرُ كثيرٌ خطلهُوُ
ونحو:
ولمَّا رأيتُ الدَّهرَ جمًا خبلهُو
كلُّهم يحرِّك الهاء، ويزيد الواو ويكسرها، ويزيد ياء، إذا كانت في موضع تكون في كلامهم مكسورة.
وكثيرٌ من العرب يحرّك الرّويّ المقيّدَ ويزيد عليه نونًا في الوصل. سمعت ذلك ممّنَ لا أحصيه من العرب في نحو:
وقاتمِ الأعماقِ خاوي المخترقنْ
ونحو:
ومنهلٍ وردتُه طامِ خالنْ
وزعم يونس أنه سمع ذلك من رؤبةَ.
وممّا لم يذكر الخليلُ التَّعدِّي والمتعدِّي، والغلوَّ والغالي أمّا التعدي فحركة الهاء التي للمضمر المذكر الساكنة في الشعر، نحو: خبلُهْ.
فالهاء متحركة إذا وصلت كلامك. والمتعدّي الواو التي تلحقها من بعدها، نحو:
تنفرُ منه الخيلُ ما لم نعزلُهُ
وكذلك الياء. فحركة الهاء التّعدّي، والياء المتعدّي. والغلوّ حركة قاف: وقاتم الأعماقِ خاوي المخترقنْ والنون هي الغالي.
وهذه الحركة والنونٌ والواو والياء لا يحتسب بهنَّ في البيت، إنّما هنَّ زوائد كزوائد الواو وسائر حروف العطف في أوّل البيت، وفي أوّل النصف الثاني، ثم لا يحتسب بهنَّ، وإنّما زادوهن كما يزيدون ما ولا في الكلام، وكما يزيدون الميم في ابن، فيقولون ابنم. الميم زائدة منونة.
وإنّما دعاهم إلى حركة الهاء وإدخال الواو أنّ ذلك كان حالها في كلامهم، فاستنكروا إسكانها، لأنّها لم تكن تجري هكذا على ألسنتهم، فأجروها على كلامهم. وجعلوا ما زادوا فيها زيادة في الشعر، إذ كان الشعر يحتمل الزيادة، ولا يكون ذلك كسرًا له.
وأمّا حركة حروف الرّويّ المقيّد فإن أكثر الشعر مطلق. ومن لغة هؤلاء أن يزيدوا في المطلق النون في الوصل وكثر ذلك على ألسنتهم، واعتادوه فيما يحتاجون إليه. فجروا على ذلك فيما لا يحتاجون إليه، كما قال كثيرٌ من العرب: هذا الرّام، وهذا القاض، في الوقف. فحذفوا الياء، لعلمهم أن سيدخل عليه في الوصل حذف الياء للتنوين لئلا يجتمع ساكنان. ويقولون: هذا القاض، فيحذفون الياء، وليس بعدها ساكن، ولا يتخوّفونه، لأنّ هذا في أكثر كلامهم، تحذف منه الياء للتنوين إذا طرحت الألف واللام، وطرحت منه الياء. فلما كثر حذفها فيما يحتاجون إليه حذفوها فيما لا يحتاجون إليه.
ومنها الإشباع. وهو حركة الحرف الذي بين التأسيس والرّويّ المطلق. محو قوله:
يزيدُ يغضُّ الطرفَ دوني كأنَّما ... زوَى بينَ عينيهِ عليَّ المحاجمُ
كسرة هذه الجيم هي الإشباع، قد لزمتها العرب في كثير من أشعارها. ولا يحسن أن يجتمع فتح مع كسرٍ، ولا مع كسر ضمٌّ، لأنَّ ذلك لم يقل إلاَّ قليلًا.
وقد كان الخليل يجيز هذا، ولا يجيز التّوجيه إذا اختلف الفتح أو الكسر أو الضمّ. والتوجيه قد جمعته العرب وأكثرت من جمعه. وهذا لم يقل إلاَّ شاذًا. وهذا أجدر أن لا يجاز.
وقد لزم الأعشى الكسر في هذه القصيدة كلّها، وفي كلِّ شيءٍ. ولزمه امرؤ القيس. وجميع ما سمعنا من الشعر على هذا، إلاَّ الشيء القليلَ يشذّ. قال:
وخرجتِ مائلةَ التَّحاسرِ
في قوله:
قومْي علوْا قدمًا بمجدِ فاخرِ ... لمعَ القطا تأتي لخمسٍ باكرِ
والمفتوح أقلُّ: يا نخلَ، ذاتَ السّدرِ والجداولِ
تطاوَلي ما شئتِ أنْ تطاوَلي
إنَّا سنرميكِ بكلِّ بازلِ
وكلُّ هذه الحروف والحركات قد تجتمع في قافية، إلاَّ التأسيسَ والرّدف، فإنّهما لا يجتمعان في قافية، ولا الرسُّ والحذو، ولا التعدِّي والمتعدِّي والغلوُّ والغالي. ويكون التعدي والمتعدي معها كلّها. وقد يكون الغلوُّ والغالي معها كلِّها، إلاَّ الخروجَ والنَّفاذَ. وقد ذكروا أنَّ لبيدًا قال في قوله:
كبيشةُ حلَّتْ بعدَ أهلكَ عاقلا
1 / 6