المقدمات: السيد محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي لكاتب الشرق الأكبر أمير البيان المرحوم الأمير شكيب أرسلان: لا يخفى على أهل الأدب، أن الجمال والقسام في العربي واحد، وأن معنى القاسم هو الجميل. فلا يوجد إذن لتأدية هذا المعنى أحسن من قولنا: "الجمال القاسمي" الذي جاء أسمًا على مسمى، مع العلم بأن الجمال الحقيقي، هو الجمال المعنوي، لا الجمال الصوري، الذي هو جمال زائل. فالجمال المعنوي هو الذي ورد به الحديث الشريف: "إن الله جميل ويحب الجمال". وعلى هذا يمكنني أن أقول: إنه لم يعط أحد شطر الجمال المعنوي الذي يحبه الله تعالى، ويشغف به عباد الله تعالى، بدرجة المرحوم الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي، الذي كان في هذه الحقبة الأخيرة جمال دمشق، وجمال القطر الشامي بأسره، في غزارة فضله، وسعة علمه، وشفوف حسه، وزكاء نفسه، وكرم أخلاقه، وشرف منازعه، وجمعه بين الشمائل الباهية، والمعارف المتناهية، بحيث أن كل من كان يدخل دمشق، ويتعرف إلى ذاك الحبر الفاضل، والجهبذ الكامل، كان يرى أنه لم يكن فيها إلا تلك الذات البهية، المتحلية بتلك الشمائل السرية، والعلوم العبقرية، لكان ذلك كافيًا في إظهار مزيتها على سائر البلاد، وإثبات أن أحاديث مجدها موصولة الإسناد. لقد تعرفت إلى العلامة المشار إليه ﵀، منذ ثلاث وعشرين سنة أو أكثر وذلك بواسطة صديقه الأستاذ العلامة نادرة عصره، الشيخ عبد الرزاق البيطار، قدس الله روحه اللطفية، فقد كان هذان الجهبذان فرقدين في سماء الشام، يتشابهان كثيرًا في سجاحة الخلق، ورجاحة العقل، ونبالة القصد، وغزارة العلم، والجمع بين العقل والنقل، والرواية والفهم.

1 / 8

ولم يكن في وقتهما أعلى منهما فكرًا، وأبعد نظرًا، وأثقب ذهنًا، في فهم المتون والنصوص، والتمييز في بين العموم والخصوص؛ وكان وجودهما ضربة شديدة على الحشوية، وتلك الطبعة الجامدة، التي هي وأمثالها صارت حجة على الإسلام في تدهوره وإنحطاطه، وفقده معاليه السالفة. وقد كنت لا أغشى دمشق مرة من المرار -والله يعلم كم كنت أزورها كل سنة- إلا كان أول ما أبادر إليه زيارة الأستاذين: الشيخ عبد الرازق البيطار، والشيخ كمال القاسمي، رحمهما الله، وجزاهما عن الإسلام خيرًا، وكانت تستمر مجالستي مع كل منهما أو معهما مجتمعين، الساعات الطوال، في الأيام والليال، ولا نشرع بمرورها، بسبب طرافة الحديث، ولطفاة النكات، وجلالة المواضيع، ونصاعة البراهين، وغزارة الشواهد، والنظم بين المعقول والمنقول، والجمع بين الفروع والأصول. فكنت إذا سمعت محاضراتهما نسيت نفسي، ورأيتني في حياة غير الحياة التي أعهدها. وكم حفظت مما سمعته منهما من شوارد، وعلقت من نوادر، وفهمت من حقائق، وتذوقت من رقائق، أنا فيها عيال عليهما وإني لأجر ذيل التية بهذا السند. وقد كان للشيخ جمال ﵀ عدا إحاطته العلمية، معارف لا يساويه فيها أحد من المجتمع الإسلامي عمومًا، والعربي الشامي خصوصًا. فقد صح فيه ذلك التعريف الذي عرف به بعضهم "العالم" فقالوا: "هو قبل كل شيء العالم بأحوال عصره ومصره". وقد كنت إذا فارقت ذينك الأستاذين، لا أفتأ أعشو إلى منارهما، وأجاذبهما حبال المراسلة، استفادة منهما على البعد، واستحضارًا في الخيال لروحيهما اللتين هما معدن الأنس. وعندي منهما كتب أعدها من أنفس الذخائر، وأثمن ما يورثه الأول للآخر. وربما أنشر بعض كتابات الشيخ جمال في أول فرصة تتسنى لي. وكنت أعلم أن للشيخ جمال تآليف ممتعة، وربما كان يطلعني على بعضها، وربما طالعني ببعض آرائه فيها، واستأنس برأي القاصر، واستوري زندي الفاتر، وهو مع ذلك صاحب الرأي الذي انتهت إليه الأصالة، والقولخ الذي اندمجت فيه الدقة مع الجلالة.

1 / 9

ولكني لم أكن أطلعت على كتابه الذي هو تحت الطبع الآن، المسمى "قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث" فقد بعث به إلى ولده الأديب السيد ظافر القاسمي، أظفره الله بما أراده، وجعله فرعًا صالحًا لذلك الأصل المنقطع النظير. فرأيت من هذا الكتاب في حسن ترتيبه وتبويبه، وتقريب الطرق على مريد الحديث، والإحاطة بكل ما يلزم المسلم معرفته، من قواعد هذا العلم الشريف ما يقضي بالعجب لمن لم يكن يعرف علو درجة المؤلف، ولكنه مما لا يعجب منه مثلي ممن حضروا مجالسة الزاهرة. وسمعوا تقريراته الساحرة. وإني لأوصي جميع الناشئة الإسلامية، التي تريد أن تفهم الشرع فهمًا ترتاح إليه ضمائرها، وتنعقد عليه خناصرها، أن لا تقدم شيئًا على قراءة تصانيف المرحوم الشيخ جمال القاسمي، الذي قسم الله له من اكتناه أسرار الشرع، ما لم يقسمه إلا لكبار الأئمة، وأحبار الأمة. والله تعالى ينفع المسلمين بآثاره، ويهديهم في ظلمات هذه الحياة بزاهر أنواره آمين. جنيف ٥ رجب الفرد ١٣٥٣ شكيب أرسلان

1 / 10

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث؛ لمصلح العصر المرحوم الإمام السيد محمد رشيد رضا: نُعي إلينا القاسمي في شهر رجب من سنة ١٣٣٢ فكتبت له ترجمة نشرتها في هذا الشهر والذي بعده من مجلد المنار السابع عشر وصفته في أولها بقولي١: "هو علامة الشام، ونادرة الأيام، والمجلد لعلوم الإسلام، محيي السنة بالعلم والعمل والتعليم، والتهذيب والتأليف، وأحد حلقات الاتصال بين هدي السلف، والارتقاء المدني الذي يقتضيه الزمن، الفقيه الأصولي، المفسر المحدث، الأديب المتفنن، التقي الأواب، الحليم الأواه، العفيف النزيه، صاحب التصانيف الممتعة، والأبحاث المقنعة صديقنا الصفي، وخلنا الوافي، وأخونا الروحي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، وأحسن عزاءنا عنه". ثم ذكرت تصانيفه ورسائله٢ مرتبة على الحروف فبلغت ٧٩، ومنها هذا الكتاب "قواعد التحديث" الذي عني بطبعه نجله الكريم السيد ظافر القاسمي فتم في هذا الشهر "شوال سنة ١٣٥٣" وكان يرسل إلي ما يتم طبعه منه متفرقًا لأنظر فيه، وأكتب للقراء تعريفًا به، على علم تفصيلي بمباحثه وأسلوبه، وتقسيمه وترتيبه، فأقول: ليتني كنت أملك من وقتي الحاشك بالضروريات، الحاشد بالواجبات، فرصة واسعة أو نهزًا متفرقة في شهر أو شهرين أقرأ فيها هذا السفر النفيس كله، فأتذكر به من هذا العلم ما لعلي نسيت، وأتعلم مما جمعه المؤلف فيه ما جهلت، فهو الحقيق بأن يقرأ ما كتب، ويحصى ما جمعه، لتحريه النفع، وحسن اختياره في الجمع، وسلامة ذوقه في التعبير والتقسيم _________ ١ ص٥٥٨. ٢ ص٦٢٨.

1 / 11

والترتيب والوضع، وقد بلغ في مصنفه هذا سدرة المنتهى من هذا العلم الاصطلاحي المحض، الذي يوعى بكد الحافظة، وتستنبط بقوة الذاكرة، فلا يستلذه الفكر الغواص على حقائق المعقولات، ولا الخيال الجوال في جواء الشعريات، ولا الروح المرفرف في رياض الأدب أو المحلق في سماء الإلهيات إذ جعله كأنه مجموعة علوم وفنون وأدب وتاريخ وتهذيب وتصوف، مصطفاة كلها من علم حديث المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله، ومن كتب طبقات العلماء المهتدين به، كأنه قرص من أقراص أبكار النحل، جنته من طرائف الأزهار العطرية، ومجت فيه عسلها المشتار من طوائف الثمار الشهية، فلعل الظمآن لهذا العلم لا يجد فيه كتابًا له مطالعته كله، فينله ويعله ولا يمله، كأنه أقصوصة حب، أو ديوان شعر، اللهم إلا هذا الكتاب. أقول هذا بعد أن طفت بجميع أبوابه، وكثير من مباحثه وفصوله، طوافًا سريعًا كأشواط الرمل في طواف النسك، ثم قرأت فيه بعض ما اختلفت العلماء في تحقيقه، وبعض ما لم يسبق لي الاطلاع عليه من مختارات نقوله، فصح لي أن أصفه وصفًا صحيحًا مجملًا يهدي إلى تفصيل: صفة للكتاب وما فيه: فأما تقسيمه وترتيب أبوابه وفصوله ومباحثه وضع عناوينها، فهو غاية في الحسن وتسهيل المطالعة والمراجعة بكثرتها، وجعلها عامة شاملة لوسائلها كمقاصدها، وفروعها كأصولها، وزادها حسنًا مراعاته في الطبع، بجعلها على أحدث وضع: من ترك بياض واسع بين سوادها، شامل للمعدود بالأرقام من مباحثها، مع إفراط فيه بترك بعض الصفات بعد ختام للفصل أو البحث خالية كلها. ومن آيات إخلاص المؤلف وحسن اختيار الناشر، أن طبعه في هذا العهد الذي توجهت فيه همم الكثيرين من أهل الدين وطلاب العلم إلى الاشتغال بما كان متروكًا من علم الحديث، والاهتداء بالسنن الصحيحة في هذه الأقطار العربية، واجتناب الروايات الموضوعة المنكرة والواهية، واشتدت حاجتهم إلى معرفة الشذوذ والعلل والتعارض والتراجيح فيها، وبيان

1 / 12

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.