204

وذهب بعض أصحابنا إلى أن التيمم لا يجوز إلا بالتراب الطيب، وبه قال أبو عبد الله محمد بن بركة -رحمه الله- (1)، ووافقهم على ذلك الشافعي (2)، وهذا هو الذي يوجبه النظر عندي، لقول النبيء - صلى الله عليه وسلم -:» جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا «(3)، ...

--------------------

قوله وذهب بعض أصحابنا ... الخ: قال في "الإيضاح" بعد أن ذكر سبب اختلافهم:» وقال أبو محمد: رأيت أصحابنا يقولون بجواز غير التراب ويقيمونه مقامه، والنظر يوجب عندي أن التيمم لا يجوز إلا بالتراب دون غيره ... الخ «(4)، وانظر أبا محمد كيف روى الجواز عن أصحابنا وخالفهم مع أنهم يقولون: "لا حظ للنظر مع وجود الأثر"، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك قالوه بالاجتهاد، وهو -رحمه الله- بلغ درجة الاجتهاد، والمجتهد لا يقلد مجتهدا؛ ثم الظاهر أن هذا الاختلاف إنما هو في غير الضرورة، ويدل له كلام "الإيضاح " حيث ذكر أنه يمسح على المعصم إن قطع من الكف، وعلى العضد إن قطع من المرفق بدلا منهما، وقال:» كما قالوا: ... يتيمم على النورة والزرنيخ والثلج والحشيش عند عدم التراب المتفق عليه بدلا منه، حتى قال بعضهم: يتيمم على الهواء بدلا من التراب ليكون على يقين ببراءة ذمته من الأمر، والله أعلم «(5).

__________

(1) - الجامع، 1/ 335.

(2) - ينظر: ابن رشد، بداية المجتهد، 1/ 68؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تفسير الآية: 43 من سورة النساء.

(3) - أخرجه بلفظ المصنف الربيع بن حبيب: باب فرض التيمم والعذر الذي يوجبه، رقم: 167 (1/ 45)؛ وفي: باب في المساجد وفضل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رقم: 255 (1/ 67). وجاء مرويا بدون لفظ» ترابها «عند ابن ماجة: كتاب الطهارة وسننها، رقم: 560؛ وأحمد: باقي مسند المكثرين، رقم: 6968. ورواه باختلاف في لفظه وزيادة كل من البخاري: كتاب التيمم، رقم: 323؛ وفي كتاب الصلاة، رقم: 419؛

ومسلم: كتاب المساجد مواضع الصلاة، رقم: 811؛ والترمذي: كتاب الصلاة،=

(4) - عامر بن علي الشماخي، 1/ 298، عن ابن بركة، الجامع، 1/ 334، 335.

(5) - عامر بن علي الشماخي، 1/ 295.

مخ ۲۰۴