قال الوزير أبو القاسم عبيد الله: «أراك مسرفا فيما قدرت يا أبا يحيى، ولعلك أن تشهد عن قريب في هذا القصر آية ثالثة ... يوم تزف قطر الندى بنت طولون إلى أمير المؤمنين أبي العباس المعتضد.»
قال الشيخ: «ويحسب مولاي الوزير أنني أرى يومئذ بعض ما رأيت يوم بوران؟ فمن أين مثل ما أنفق الحسن بن سهل يوم ذاك؟ لقد رأيته وإنه لينثر على رءوس العامة الدنانير والدراهم ونوافج المسك وبيض العنبر، ونثر على الهاشميين والقواد والكتاب والوجوه بنادق المسك، في وسط كل بندقة ورقة فيها صك مكتوب، فمن سقطت عليه بندقة منها فله ما كتب في صكه، من ضيعة، أو دار، أو جارية، أو غلام، أو فرس، يذهب إلى وكيل الحسن بن سهل بورقته فيدفع إليه ما فيها، يملكه ملك عين بلا ثمن، وإني لأراني يومئذ وكنت في حاشية الخليفة ، فنالتني بندقة من هذه البنادق، فإذا أنا صاحب ضيعة عمرو بن مالك بما فيها من بستان ودار وآنية ورقيق، فلولا ما كان من سفه ابني يحيى - رحمه الله - لكنت اليوم من أغنياء بغداد، وقد كنت يوما ...» «وقد أقام عسكر المأمون يومئذ في ضيافة الحسن بن سهل تسعة عشر يوما، أنفق عليهم فيها خمسين ألف ألف درهم (خمسين مليون درهم)، فلما كان يوم الرحيل فرق على قواده وأصحابه وحشمه عشرة آلاف ألف درهم (عشرة ملايين)، وقد حدثتني أم ولدي عاتكة - وكانت من جواري بوران - أن المأمون قد فرش له يومئذ حصر من ذهب، ونثر على قدميه ألف حبة جوهر، فلما رأى اللؤلؤ المنثور على حصر الذهب قال: قاتل الله أبا نواس، لكأنما شاهد ما نحن فيه حين قال يصف الخمر يعلوها الحباب.
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها
حصباء در على أرض من الذهب!
وأوقد للمأمون في الليلة التي بنى فيها ببوران شمعة عنبر وزنها أربعون منا في تور من ذهب
16 ...»
ثم تنهد الشيخ وقال: «فمن أين لنا اليوم يامولاي؟»
قال الوزير ضاحكا وهو يربت كتف الشيخ: «من خزائن صاحب مصر.»
ثم مضى الثلاثة إلى أمير المؤمنين في قصره وخلفوا الشيخ يسترجع ذكرياته.
4
ناپیژندل شوی مخ