ودخل الوزير أبو الصقر إسماعيل بن بلبل، وكان قد حاول من أمسه أمرا يتقرب به إلى الخليفة في شأن من شئون الموفق، فلما رآه الموفق ساعتئذ هش له وأدناه، ولم يحدثه في شيء مما كان، وخلع عليه وعلى ولده أبي العباس جميعا، ثم خرج الرجلان من حضرة الموفق فمضى كل منهما لوجهه ...
وعاش الموفق بعدها أياما، ثم أسلم زمامه إلى بارئه، وبويع لأبي العباس «المعتضد» من غده بولاية العهد مكان أبيه - بعد جعفر المفوض - ولكن أبا العباس لم يقنع بما قنع به أبوه من قبل، فلم يهدأ حتى رضي الخليفة بخلع جعفر، واستقل أبو العباس المعتضد بولاية العهد، واجتمع له من السلطان ما لم يجتمع يوما لأبيه.
وكان الخليفة المعتمد قد ظن أنه ملك الأمر كله يوم مات الموفق، فإذا المعتضد قد سلبه الأمر كله حتى لم يبق له شيء مما كان له في حياة الموفق.
وكأنما كان المعتضد في سجن أبيه بضع سنين يدخر قوته لهذه الساعة، فما هو إلا أن ملك الأمر حتى لم يبق لأحد إلى جانبه أمر، وهتفت باسمه الدولة جميعا وعنت لسلطانه.
108
وسار البريد إلى خمارويه بما كان في حضرة الخلافة، فذكر ما كان من أمره وأمر المعتضد منذ سنين، يوم التقيا سيفا لسيف، فأراد أن يعجم عوده؛
109
ليأمن منه ما يأمن ويتقي ما يتقي ... فبعث إليه بهدية مليحة من طرائف مصر، وطلب إليه أن يقره على الموصل إلى ما تحت يده من مصر وبرقة والشام والثغور ...
وحضرت المعتضد الذكرى منذ كان وكان وكان، وذكر كلمات أبيه، فبعث إلى خمارويه: «قد قبلنا هديتك وشكرنا لك، أما الموصل فنحن أدنى إليها يدا.»
110
ناپیژندل شوی مخ