وأن يهدم العز المشيد هادم
ومضت أسابيع ثم التقى الجيشان، ورأى أبو العباس وجه خمارويه، ورأى خمارويه وجه أبي العباس، واقتتل الشابان اللذان ترتبط بهما مصاير الدولتين ... ثم كانت الوقعة التي شابت لها مقادم أبي العباس، فخلف وراءه جنده وأتباعه وما احتاز من مغانم، وفر على أدباره وحيدا يلتمس السلامة، فما وقف به فرسه حتى بلغ أبواب دمشق، ولكن دمشق يومئذ كانت قد بلغها النبأ، فأغلقت أبوابها دونه، وتركته على الطريق يلتمس الدفء والمأوى فلا يكاد يجد، واستأنف الفرس عدوه بفارسه المنهزم، حتى بلغ ثغر طرسوس، ولكن المقام لم يطب للأمير في طرسوس، كما لم يطب له المقام من قبل، فقد خاصمه «يا زمان» البحري صاحب الثغر، وثار به أهل المدينة، فأجلوه عن ديارهم، فخرج وحيدا طريدا قد ضاقت عليه الأرض، فاعتلى ظهر جواده وأطلق له العنان، حتى بلغ قصر أبيه الموفق في بغداد بعد غياب عام ونصف عام في حرب لم يظفر فيها بغير الإياب ...
وأوى الشاب الثائر إلى بيته صامتا مكروبا، لا يكاد يجد مساغا للطعام والشراب، ولا سبيلا إلى المنام.
3
قال الموفق لولده: «الحمد لله يا بني إذ ردك إلي راشدا موفورا، فلا تأس
21
على ما كان، فإن للدول كما للناس آجالا، إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون.»
وهم أبو العباس أن يجيب فذابت الكلمات على طرف لسانه، ومضى أبوه في حديثه: «... وإنما يأتي أجل بني طولون يوم تصفر أيديهم من المال، فلا يجد الجند يومئذ لهم رزقا في دولتهم، ولا يجدون هم في أيديهم من المال ما يرشون به الوزراء ويصطنعون القواد ... وقد تولى اليوم أمرهم إسحاق ومحمد بن أبي الساج، كل منهما يطمع في عرش الطولونية، فلا يزالان يطلبان لها الغرة ويضعفانها بما يثيران في بلادها من أسباب الفتنة، فدعهما يا بني وما تولياه من أمر حتى يأذن الأجل.»
قال أبو العباس: «يا أبه ...»
قال أبوه: «اصمت لا أب لك! إنما هي سياسة الدولة، وقد جربت ما جربت حتى رأيت عاقبة أمرك.»
ناپیژندل شوی مخ