ومنهم بعض العارفين رحمه الله تعالى
16 - قرأت في كتاب بعض مشايخنا يحكي عن ذي النون، قال: خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام، فضللت الطريق فإذا أنا برجل مطروح على قارعة الطريق، وهو يجود بنفسه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت له: تريد أن أقيم عليك؟ فقال: وما أصنع بك؟! قلت: أونسك. قال: وأي أنس لي فيك؟! قلت: أخدمك إذا أنت عليل. قال: كاف من كافي، وصاد من صادق، وعين من عالم، فمن لم يأنس به، فلا أنس له. قلت له: علمني بابا من أبواب الخير، أو شيئا أتعظ به عنك. فرفع رأسه، وقال: يا أخي احفظ نفسك من نفسك، ولا تخلها من قلبك، وإذا هممت بمعصية فارفع #79# رأسك إلى هذه الخضراء، واعلم لمن تتعرض، وعلى من تقدم، ومن تحارب؛ أما علمت أن من عصى الله تعالى فقد حاربه، انكمش على ما أنت فيه واشدد مئزرك، وارحل قبل أن يرحل بك، أما علمت أن جهنم أسهرت ليالي المريدين، وأقرحت قلوب العابدين؛ حتى مدحهم في كتابه؛ فقال عز من قائل {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون} الآية، فشهق شهقة، فمات -رحمه الله-، قال: فما رأيت شابا كان أبلغ منه.
مخ ۷۸