ومنهم أعرابي بدوي رحمه الله
12 - حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن بن جعفر المذكر. #72# (قال): حدثنا الحاكم أبو محمد يحيى بن منصور وأبو الحسن الكازري وأبو الطيب الخياط واللفظ للحاكم قالوا: حدثنا أبو رجاء محمد بن أحمد القاضي (قال): حدثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياشي البصري قال: سمعت الأصمعي يقول: أقبلت #73# ذات يوم من المسجد الجامع بالبصرة، فبينا أنا في موضع سككها؛ إذ طلع أعرابي جلف جاف على قعود له متقلد سيفه، وبيده قوس، فدنا وسلم، وقال لي: ممن الرجل؟ قلت: من بني الأصمع. قال: أنت الأصمعي؟ قلت: نعم. قال: ومن أين أقبلت؟ قلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن. قال: وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت: نعم. قال: اتل علي شيئا منه. فقلت: له انزل عن قعودك. فنزل، وابتدأت بسورة والذاريات، فلما انتهيت إلى قوله سبحانه وتعالى {وفي السماء رزقكم وما تودعون} قال: يا أصمعي هذا كلام الرحمن؟ فقلت: أي والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا إنه لكلامه: أنزله على نبيه محمد. فقال لي: حسبك. ثم قام إلى ناقته؛ فنحرها، وقطعها بجلدها، وقال: أعني على تفريقها، ففرقناها على من أقبل وأدبر، ثم عمد إلى سيفه، وقوسه؛ فكسرهما، وجعلهما تحت الرمل، وولى مدبرا نحو البادية، وهو يقول: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}. فأقبلت على نفسي باللوم، وقلت: لم لم تنتبه لما انتبه له الأعرابي؟
فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة، فبينا أنا أطوف بالكعبة؛ إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق، فالتفت؛ فإذا أنا بالأعرابي نحل، مصفار، #74# فسلم علي، وأخذ بيدي، وأجلسني من وراء المقام، وقال لي: اتل علي كلام الرحمن. فأخذت في سورة والذاريات، فلما انتهيت إلى قوله تعالى {وفي السماء رزقكم وما توعدون} صاح الأعرابي، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ثم قال: وهل غير هذا؟ قلت: نعم، يقول الله عز وجل {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}. فصاح الأعرابي صيحة وقال: يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين قالها ثلاثا، وخرجت فيها نفسه، ومات.
مخ ۷۱