8 - قال أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس الحيري قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يونس المقرئ قال: حدثني محمد بن منصور قال: حدثنا أحمد بن الليث قال: حدثنا أبو حفص عمر بن حفص القشيري، قال: حدثنا علي ابن الحسين قال: سمعت منصور بن عمار يقول بينا أردت الحج؛ إذ دفعت إلى الكوفة ليلا، وكان الليل على مدلهمة، فانفردت #64# عن أصحابي. ثم دنوت إلى رواق باب دار، فسمعت بكاء رجل شيخ، وهو يقول في بكائه: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك؛ لكني عصيتك إذ عصيتك بجهلي، وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من ينقذني، وبحبل من أتصل إذا انقطع حبلك عني واذنوباه، واغوثاه بالله. قال منصور: فأبكاني والله. فوضعت فمي على شق الباب، وناديت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم {نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة}.
فأتيت عليها إلى آخر الآية، فسمعت عند ذلك اضطرابا شديدا، وخمد الصوت، فوضعت أحجارا على الباب؛ لأتعرف ذلك الموضع، فلما أصبحت غدوت إليه؛ فإذا أنا بأكفان أصلحت، وعجوز تدخل الدار باكية، وتخرج باكية. فقلت لها: يا هذه من هذا الميت منك؟ قالت: إليك عني يا عبد الله لا تجدد علي أحزاني. قال: قلت: إني أريد هذا الوجه الكريم؛ لعلك تستودعيني دعوة أنا منصور بن عمار واعظ أهل العراق. قالت: يا منصور هذا #65# ولدي. قال: قلت: فما كان صفته؟ قالت: كان من آل الرسول صلى الله عليه وسلم يكسب ما يكسبه، فيجعله أثلاثا ثلثا لي، وثلثا للمساكين، وثلثا يفطر عليه، وكان يصوم النهار، ويفطر عليه بالليل، حتى إذا كان آخر ليلة منه أخذ في بكائه وتضرعه؛ إذ تلا ذلك الرجل آية من كتاب الله عز وجل، فلم يزل حبيبي يضطرب، فأصبح، وقد فارق الدنيا.
مخ ۶۳