طرب الفؤاد على رغمه وتاه، هذا ما ينبغي أن يقال حقا لأحمد عبد الجواد، وما كان يسكب في أذنيه على قرع الكئوس في ليالي الطرب، أين العوادة لتسمع هذا المديح علها تخفف من غلوائها؟ لكن يردده من أنت عنه راغب، قال بصوت لا أثر فيه للطرب: ولى ذلك الزمان.
مال نصفها الأعلى إلى الوراء استنكارا، وقالت: لم تزل شابا ورب الحسين، (ثم وهي تبتسم في حياء) جمل له طلعة البدر، لم يول زمانك ولن يولي أبدا، لا تكبر نفسك قبل الأوان، أودع الحكم على ذلك للآخرين فلعلهم يرونك بغير العين التي ترى بها نفسك.
قال بأدب، ولكن بلهجة تعبر بلطف عن رغبته في إنهاء الحديث: اطمئني يا ست أم مريم إلى أنني لا أقتل نفسي حزنا، فإنني أتسلى عن الهم بشتى ضروب التسلية.
تساءلت وقد فتر حماسها قليلا: أيكفي هذا للترفيه عن رجل مثلك؟
فقال بقناعة: لا تتطلع النفس إلى شيء وراءه.
بدا أنه تنغص صفوها، وإن تظاهرت بالارتياح وهي تقول: أحمد الله على أنني وجدتك على ما أحب لك من راحة البال وصفائه.
لم يعد ثمة قول يقال، فنهضت وهي تمد له يدها ملفوفة في طرف الملاءة، فتصافحا، ثم قالت وهي تهم بالذهاب: فتك بعافية.
وذهبت وهي تحول عنه عينين لم يجد التصنع في إخفاء ما غشيهما من خيبة.
14
طوت سوارس شارع الحسينية، ثم أخذ جواداها المهزولان يخبان فوق أسفلت العباسية والسائق يلهبهما بسوطه الطويل. كان كمال جالسا في مقدمة العربة على طرف المقعد الطويل فيما يلي السائق؛ فأمكنه أن يرى بلفتة من رأسه - في غير جهد - شارع العباسية ممتدا أمام عينيه، في اتساع لا عهد للحي القديم به وطول لا يلوح له منتهى، أرضه مستوية ملساء، وبيوته على الجانبين ضخمة ذوات أفنية رحيبة بعضها يزدان بحدائق غناء.
ناپیژندل شوی مخ