تساءل ضاحكا، وهو يضرب كفا بكف: ألم أقل إنك عقدة؟
فواصلت الحديث وهي في نشوة من الفوز والسرور: وما أدري ليلة إلا والسلطانة تقول لي: استعدي إننا ذاهبان إلى عوامة محمد عفت، فمضيت لأستعد، ولكني سمعتها تقول بعد ذلك: إن السيد أحمد هو الذي اقترح الدعوة، لعب في عبي الفار، وقلت لنفسي: السيد أحمد لا يقترح شيئا لوجه الله، وفهمت الفولة، فلم أذهب معتلة بصداع. - يا لي من مسكين! وقعت في مخالب من لا يرحم، هل عندك مزيد؟ - لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع. - ما أحلى هذا الكلام! قلد الوعاظ، يا أفسق خلق الله!
وهو يضحك عاليا: الله يسامحك!
ثم متسائلا في سرور غير خاف: فهمت الفولة هذه المرة أيضا، ولكنك بقيت، فلم تغادري البيت أو تخفي نفسك.
ونهض قبل أن يتم جملته فاتجه نحوها وجلس إلى جانبها، ثم تناول طرف الوشاح المرصع بالترتر فقبله، وهو يقول: اللهم إني أشهد بأن هذه المخلوقة الجميلة ألذ من أنغام عودها، لسانها سوط، وحبها نار، وعاشقها شهيد، وسوف يكون لهذه الليلة شأن في التاريخ كله. - أبعدته عنها بكفها قائلة: لا تأخذني في دوكة، هوه! عد إلى مجلسك. - لن يفصل بيننا شيء بعد الآن.
جذبت وشاحها فجأة من يده ونهضت مبتعدة قليلا، ثم وقفت على بعد ذراع منه تمعن فيه نظرا صامتا، وكأنما تراجع نفسها في أمور ذات شأن، ثم قال: لم تسألني عما جعلني أتخلف عن الذهاب إلى العوامة - يوم دعانا محمد عفت - بناء على اقتراحك. - كي تزيدي النار اشتعالا!
ضحكت ثلاث ضحكات متقطعة، ثم صمتت مليا، ثم قالت: فكرة لا بأس بها ولكنها قديمة، أليس كذلك يا زين الفساق؟ ستظل الحقيقة سرا حتى أرى أن أفشيه عندما يحلو لي. - أقدم حياتي ثمنا له.
ابتسمت ابتسامة صافية لأول مرة، ولاحت في عينيها نظرة رقيقة جاءت في أعقاب سخرياتها، كما يجيء الهدوء في أعقاب زوبعة، وبشر حالها بسياسة جديدة ومعنى جديد، فاقتربت منه خطوة ومدت يديها إلى شاربه برشاقة وراحت تجدله بعناية، ثم قالت بنبرات لم يسمعها من قبل: إذا قدمت حياتك ثمنا لهذا، فماذا يبقى لي أنا؟
وجد راحة عميقة لم يجد مثلها منذ تلك الليلة الخاسرة في العوامة، وكأنما كان يفوز بامرأة لأول مرة في حياته. تناول يديها من فوق شاربه وأودعهما بين راحتيه الكبيرتين، ثم قال بحنان وامتنان: أنا نشوان يا ست الكل، نشوان لحد يعجزني عن الوصف، دمت لي إلى الأبد، إلى الأبد، لا عاش من رد لك رجاء أو طلبا، أتمي نعمتك علي وهيئي مجلسنا، الليلة ليست كالليالي الأخريات، وهي تستحق أن نحتفل بها حتى مطلع الفجر.
قالت وهي تلعب بأنامها بين راحتيه: ليست هذه الليلة كالليالي الأخريات حقا، ولكن ينبغي أن نقنع منها بالقليل.
ناپیژندل شوی مخ